لوجوب النظر في الاصول لا يفيد بنفسه الجزم ؛ لكثرة الشبه الحادثة في النفس والمدوّنة في الكتب ، حتّى أنّهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحقّقين الصارفين لأعمارهم في فنّ الكلام ، فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لأجل تصحيح عقائده ليشتغل بعد ذلك بامور معاشه ومعاده ، خصوصا والشيطان يغتنم الفرصة لإلقاء الشبهات والتشكيك في البديهيّات ، وقد شاهدنا جماعة صرفوا أعمارهم ولم يحصّلوا منها شيئا إلّا القليل.
المقام الثاني : في غير المتمكّن من العلم والكلام فيه تارة في تحقّق موضوعه في الخارج. واخرى في أنّه يجب عليه مع اليأس من العلم تحصيل الظنّ أم لا؟ وثالثة في حكمه الوضعي قبل الظنّ وبعده.
أمّا الأوّل ، فقد يقال فيه بعدم وجود العاجز نظرا إلى العمومات (١٠٢٥) الدالّة على حصر الناس في المؤمن والكافر ، مع ما دلّ على خلود الكافرين بأجمعهم
______________________________________________________
١٠٢٥. وجه الحاجة إلى تمهيد المقدّمات الثلاث ، أنّ العمومات بمجرّدها لا تكفي في إثبات المدّعى ، لإمكان اندراج الجاهل القاصر في صنف الكفّار ، ولا بضميمة ما دلّ على خلود الكفّار في النار ، لإمكان خلود الجاهل القاصر في النار ، فلا يتمّ المقصود إلّا بضميمة تقبيح العقل لمؤاخذته.
ثمّ إنّ التمسّك بالعمومات إنّما يتمّ على تقدير اعتبار الظواهر في مثل المقام ، وهو ممنوع ، كما أوضحناه فيما علّقناه على المقام الأوّل. فالأولى أن يستدلّ على عدم وجود القاصر في المعارف الخمس بما أطبقوا عليه من وجوب اللطف على الله سبحانه ، إذ لا شكّ أنّ نصب الأمارة القطعيّة في المعارف الخمس من أقوى الألطاف على الله تعالى ، إذ لا ريب أنّ معرفتها والاعتقاد بها من أقوى أسباب القرب إلى الله تعالى والبعد عن معاصيه ، ولو لا وجوب هذا اللطف لا يمكن إثبات وجوب إرسال الرسل ونصب الأوصياء عليه تعالى ، فكيف يجوز لله سبحانه أن يهمل عباده كالهمج الرعاع ، ولا ينصب أمارة على التوحيد والعدل والمعاد والنبوّة والإمامة؟