ويؤيّده أيضا اقتران التقليد في الاصول في كلماتهم بالتقليد في الفروع ، حيث يذكرون في أركان الفتوى أنّ المستفتى فيه هي الفروع دون الاصول ، لكنّ الظاهر عدم المقابلة التامّة بين التقليدين ؛ إذ لا يعتبر في التقليد في الفروع حصول الظنّ ، فيعمل المقلّد مع كونه شاكّا ، وهذا غير معقول في اصول الدين التي يطلب فيها الاعتقاد حتّى يجري فيه الخلاف. وكذا ليس المراد من كفاية التقليد هنا كفايته عن الواقع ، مخالفا كان في الواقع أو موافقا كما في الفروع ، بل المراد كفاية التقليد في الحقّ وسقوط النظر به عنه ، إلّا أن يكتفي فيها بمجرّد التديّن ظاهرا وإن لم يعتقد ، لكنّه بعيد.
ثمّ إنّ ظاهر كلام الحاجبيّ والعضديّ اختصاص الخلاف بالمسائل العقليّة ، وهو في محلّه ، بناء على ما استظهرنا منهم من عدم حصول الجزم من التقليد ؛ لأنّ الذي لا يفيد الجزم من التقليد إنّما هو في العقليّات المبتنية على الاستدلالات العقليّة ، وأمّا النقليّات فالاعتماد فيها على قول المقلّد ـ بالفتح ـ كالاعتماد على قول المخبر الذي قد يفيد الجزم بصدقه بواسطة القرائن ، وفي الحقيقة يخرج هذا عن التقليد.
وكيف كان ، فالأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد ؛ لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة والتصديق والاعتقاد ، وتقييدها بطريق خاصّ لا دليل عليه ، مع أنّ الإنصاف (١٠٢٤) : أنّ النظر والاستدلال بالبراهين العقليّة للشخص المتفطّن
______________________________________________________
ذلك : إمّا أن يكون مع التفات العقل إلى الجهة التي يحكم فيها بملاحظتها ، أو مع الغفلة عنها. وكلاهما باطلان. أمّا الأوّل ، فلأنّه مع التفات العقل إلى الجهة التي يستقلّ بملاحظتها في المسألة ويحكم فيها بشيء نفيا أو إثباتا ، لا يعقل حينئذ حصول العلم من قول الغير مطلقا ، سواء كان مطابقا له أو مخالفا له. وأمّا الثاني ، فلأنّه مع الغفلة تخرج المسألة من كونها عقليّة ، مثلا إذا أخبر أحد بحدوث العالم ، فإن كان المخبر له ملتفتا إلى تغيّر العالم وكون كلّ تغيير حادثا ، فلا يعقل حصول العلم له من سبب آخر. وإن لم يكن ملتفتا إليهما فلا يكون حدوث العالم عقليّا ولو بالنسبة إلى هذا الشخص غير الملتفت.
١٠٢٤. في إطلاق كلامه منع واضح ، لمخالفته للعيان وشهادة الوجدان.