نعم ، يمكن أن يقال (١٠٠٤) إنّ مقتضى عموم وجوب المعرفة مثل قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٧) أي ليعرفون ، وقوله صلىاللهعليهوآله : «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس» (٨) بناء على أنّ الأفضليّة من الواجب خصوصا مثل الصلاة تستلزم الوجوب ، وكذا عمومات وجوب التفقّه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الإمام عليهالسلام بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق عليهالسلام ، وعمومات طلب العلم هو وجوب معرفة الله جلّ ذكره ومعرفة النبيّ صلىاللهعليهوآله ومعرفة الإمام عليهالسلام ومعرفة ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله على كلّ قادر يتمكّن من تحصيل العلم ، فيجب الفحص حتّى يحصل اليأس ، فإن حصل العلم بشيء من هذه التفاصيل اعتقد وتديّن وإلّا توقّف ولم يتديّن بالظنّ لو حصل له. ومن هنا قد يقال : إنّ الاشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله ومعرفة أوليائه صلوات الله عليهم أهمّ من الاشتغال بعلم المسائل العمليّة بل هو المتعيّن ؛ لأنّ العمل يصحّ عن تقليد ، فلا يكون الاشتغال بعلمه إلّا كفائيّا بخلاف المعرفة.
هذا ، ولكنّ الإنصاف (١٠٠٥) عمّن جانب الاعتساف يقتضي الإذعان بعدم التمكّن من ذلك إلّا للأوحدي من الناس ؛ لأنّ المعرفة المذكورة لا يحصل إلّا بعد
______________________________________________________
مسألة التمييز بين القسمين ليست من الفروع التي موضوعها عمل المكلّف ، ولا من الاصول العمليّة التي يستنبط منها الفروع ، بل هي من مقدّمات الاصول الاعتقاديّة ، نظير الحدود التي يتميّز بها العلوم. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ أدلّة أخبار الآحاد وإن لم تشمل المقام كما تقدّم هناك ، إلّا أنّ دليل اعتبار ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة ـ وهو بناء العرف والعقلاء ـ لا يمنع من ذلك ، فتدبّر.
١٠٠٤. يعني : في إثبات ما ذكره العلّامة. ثمّ إنّ ظاهر الآية على تقدير كون المراد بالعبادة فيها هي المعرفة هو كون المقصود من خلق الجنّ والإنس والغاية فيه هي المعرفة ، وأمّا كون المقصود هي المعرفة في الجملة ولو إجمالا أو المعرفة التفصيليّة فلا دلالة في الآية على ذلك.
١٠٠٥. حاصله : أنّ الاجتهاد في اصول العقائد ومعرفة تفاصيلها غير ممكن