سرّه اللطيف في منع نهوض دليل الانسداد لإثبات حجّية الظنّ في المسائل الاصوليّة.
الثاني من دليلي المنع : هو أنّ الشهرة المحقّقة والإجماع المنقول (٩٩٠) على عدم حجّية الظنّ في مسائل اصول الفقه ، وهي مسألة اصوليّة ، فلو كان الظنّ فيها حجّة وجب الأخذ بالشهرة ونقل الإجماع في هذه المسألة. والجواب : أمّا عن الوجه الأوّل : فبأنّ دليل الانسداد وارد على أصالة حرمة العمل بالظنّ ، والمختار في الاستدلال به في المقام هو الوجه الثالث وهو إجرائه في الأحكام الفرعيّة ، والظنّ في المسائل الاصوليّة مستلزم للظنّ في المسألة الفرعيّة.
وما ذكر من كون اللازم منه هو الظنّ بالحكم الفرعي الظاهري صحيح ، إلّا أنّ ما ذكر ـ من أنّ انسداد باب العلم في الأحكام الواقعيّة وبقاء التكليف بها وعدم جواز الرجوع فيها إلى الاصول لا يقتضي إلّا اعتبار الظنّ بالحكم الفرعي الواقعي ـ ممنوع ، بل المقدّمات المذكورة كما عرفت غير مرّة إنّما تقتضي اعتبار الظنّ بسقوط تلك الأحكام الواقعيّة وفراغ الذّمة منها. فإذا فرضنا مثلا أنّا ظنّنا بحكم العصير لا واقعا ، بل من حيث قام عليه ما لا يفيد الظنّ الفعلي بالحكم الواقعي ، فهذا الظنّ يكفي في الظنّ بسقوط الحكم الواقعي للعصير ، بل لو فرضنا أنّه لم يحصل ظنّ بحكم واقعيّ أصلا (٩٩١) وإنّما حصل الظنّ بحجّية امور لا تفيد الظنّ ، فإنّ العمل بها يظنّ معه سقوط الأحكام الواقعيّة عنّا ؛ لما تقدّم من أنّه لا فرق في سقوط الواقع بين الإتيان بالواقع علما أو ظنّا وبين الإتيان ببدله كذلك ، فالظنّ بالإتيان بالبدل كالظنّ بإتيان الواقع ، وهذا واضح.
وأمّا الجواب عن الثاني : فبمنع الشهرة والإجماع أوّلا ؛ نظرا إلى أنّ المسألة من المستحدثات ، فدعوى الإجماع فيها مساوقة (٩٩٢) لدعوى الشهرة. وثانيا : لو
______________________________________________________
٩٩٠. قد حكي نقله عن المحقّق السبزواري رحمهالله.
٩٩١. لا شخصا ولا نوعا. ويحتمل أن يكون المراد منع حصول الظنّ في جميع موارد الفقه.
٩٩٢. أي : مساوية لنقل الشهرة في عدم الاعتداد بكلّ منهما.