.................................................................................................
______________________________________________________
وفيه : أنّه قد تقدّم عند تأسيس الأصل في المسألة أنّ ما دلّ على حرمة العمل بالظنّ من الآيات والأخبار إنّما هو إمّا من جهة كون التعبّد والتدين بما لم يرد الشرع به تشريعا محرّما ، وإمّا من جهة مخالفته للاصول. وشيء منهما لا يتأتّى في المقام ، لعدم تأتّي التشريع ولا مخالفة الاصول مع العمل بالظنّ من باب الاحتياط. وقد أشار المصنّف رحمهالله إلى الجواب المذكور وإلى ما يرد عليه بقوله : «ومنع جريان قاعدة الاشتغال ...».
وثانيها : أنّه يحتمل أن يكون بعض أفراد الظنون التي تردّد الواجب بينها ممّا يحرم العمل به في نظر الشارع ، وحينئذ يجب ترك العمل بجميعها من باب المقدّمة ، فيتعارض الاحتياطان ، لأنّ العلم الإجمالي بوجود ما يجب العمل به بين هذه الظنون كما يقتضي الاحتياط بالإتيان بالجميع ، كذلك حرمة العمل ببعضها المردّد بينها تقتضي وجوب الاجتناب عن الجميع ، فيدور الأمر حينئذ بين المحذورين ، فلا مجال للاحتياط.
وفيه : أنّ ما علم تحريم العمل به من القياس ونحوه أمره واضح. وما يحتمل التحريم ، فإن اريد منه الحرمة الذاتيّة ، ففيه ـ مع تسليم وجود محرّم ذاتي بين الأمارات حتّى القياس ونحوه ، لقوّة احتمال كون منع الشارع منه لأجل عدم إيصاله إلى الواقع غالبا في نظر الشارع ـ أنّ الشكّ فيها بدويّ تنفيه أصالة البراءة ، وبعد نفي حرمته يثبت وجوب العمل به لأجل قاعدة الاحتياط. وإن اريد منه الحرمة التشريعيّة ، فقد عرفت أنّها لا تنافي العمل بالظنّ من باب الاحتياط.
وثالثها : أنّه يحتمل أن يكون بعض مظنونات الوجوب محرّما في الواقع ، فمقتضى الاحتياط في مورد الظنّ هو ترك العمل بمقتضاه ، وهو يعارض الاحتياط بالعمل بالظنّ ، مثل ما لو قامت أمارة ظنّية على وجوب شيء أو استحبابه أو كراهته أو إباحته ، واحتمل كون هذا الشيء محرّما في الواقع ، أو قامت على حرمته واحتمل كونه واجبا في الواقع ، أو على طهارته واحتمل كونه نجسا في الواقع. والفرق بين هذا الجواب وسابقه : أنّ احتمال الحرمة هنا في مورد الأمارة ، وهناك في العمل بها. وفيه : ما تقدّم في سابقه من اندفاع احتمال الحرمة بالأصل.