وأمّا المرجّح الثالث وهو الظنّ باعتبار بعض فيؤخذ به لأحد الوجهين المتقدّمين ، ففيه ـ مع أنّ الوجه الثاني لا يفيد لزوم التقديم بل أولويّته (٨٩٦) ـ : أنّ الترجيح على هذا الوجه يشبه الترجيح (٨٩٧) بالقوّة والضعف في أنّ مداره على الأقرب إلى الواقع ، وحينئذ : إذا فرضنا كون الظنّ الذي لم يظنّ حجّيته أقوى ظنّا بمراتب من الظنّ الذي ظنّ حجّيته ، فليس بناء العقلاء على ترجيح الثاني ، فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصّة وعدم وجود ضابطة كلّية بحيث يؤخذ بها في ترجيح الظنّ المظنون الاعتبار.
______________________________________________________
من الضعيف ، كما يظهر من صاحب المعالم حيث قال : «إنّ العقل قاض بأنّ الظنون إذا كان لها جهات متعدّدة متفاوتة بالقوّة والضعف ، فالعدول عن القويّ منها إلى الضعيف قبيح» انتهى. ويدفعه : أنّ العقل لو استقلّ برضا الشارع بالترجيح بالقوّة لاستقلّ برضاه بالعمل بالظنّ مطلقا ، لكون مطلق الظنّ أقوى بالنسبة إلى الوهم والشكّ ، وهو خلاف المفروض من إهمال النتيجة.
٨٩٦. لعدم استقلال العقل بوجوب إحراز المصالح الواقعيّة مع التمكّن منه حتّى يستقلّ بترجيح ما هو أقرب إلى إحرازها عند عدم التمكّن من إحرازها على سبيل اليقين. نعم ، هو مستحسن عند العقل لا واجب.
فإن قلت : كيف تنكر ذلك والمصالح والمفاسد الكامنتان منشآن لإلزامات الشارع ، وباعثتان لحكمه على الأفعال بالوجوب والحرمة؟
قلت : نمنع كون تلك المصالح والمفاسد علّة تامّة لحكم الشارع ، لاحتمال كونها من قبيل المقتضي دون العلّة التامّة ، بأن كانت هي مع إرادة الشارع أو غيرها ممّا لا نعلمه علّة تامّة للحكم ، كيف ولو كانت هي من العلل التامّة لوجب الاحتياط في الشبهات البدويّة كما هو واضح.
٨٩٧. بل هو راجع إليه بنوع من الاعتبار ، لأنّ الظنّ بالواقع كما أنّه كلّما قوي قوي الظنّ بالبراءة ، كذلك الظنّ المظنون الاعتبار يستلزم ظنّا أقوى بالبراءة من الظنّ المشكوك الاعتبار. ولا ريب أنّ حكم العقل بجواز العمل بالظنّ بالواقع إنّما