تعارض القويّ مع الضعيف هنا في متعلّق واحد حتّى يذهب الظنّ من الأضعف ويبقى في الأمارة الاخرى. نعم يوجد مرتبة خاصّة وهو الظنّ الاطمئناني الملحق بالعلم حكما بل موضوعا ، لكنّه نادر التحقّق ، مع أنّ كون القوّة معيّنة للقضيّة المجملة محلّ منع ؛ إذ لا يستحيل أن يعتبر الشارع في حال الانسداد ظنّا يكون أضعف من غيره ، كما هو المشاهد في الظنون الخاصّة ؛ فإنّها ليست على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة. وما تقدّم في تقريب مرجّحيّة القوّة إنّما هو مع كون إيجاب العمل بالظنّ عند انسداد باب العلم من منشآت العقل وأحكامه ، وأمّا على تقدير كشف مقدّمات الانسداد عن أنّ الشارع جعل الظنّ حجّة في الجملة وتردّد أمره في أنظارنا بين الكلّ والأبعاض ، فلا يلزم من كون بعضها أقوى كونه هو المجعول حجّة ؛ لأنّا قد وجدنا تعبّد الشارع بالظنّ الأضعف وطرح الأقوى في موارد كثيرة.
______________________________________________________
احتمال كذب الراوي ، فالمقصود من إعمال دليل الانسداد بالنسبة إلى الأخبار هو إثبات اعتبارها بحسب السند والصدور عن الإمام عليهالسلام. ولا ريب أنّ الأخبار الموثوقة بالصدور كثيرة ، لأنّا لو لم نقل بقطعيّة الأخبار المودعة في الكتب الأربعة كما زعمه الأخباريّون ، فلا أقلّ من الوثوق بصدورها عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، كما شهد به العلماء. فدعوى عدم كفاية الأمارات المفيدة للاطمئنان ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه.
نعم ، يرد عليه ما أورده المصنّف رحمهالله من منع كون القوّة معيّنة للقضيّة المهملة المجملة ، إذ بعد فرض اعتبار الظنّ من باب الكشف دون الحكومة لا يستحيل كون الحجّة عند الشارع غير القويّ من الظنون ، سيّما بعد ما ثبت من اعتباره الأمارات التعبّدية الموهومة أو المفيدة للظنّ الضعيف غالبا ، كاليد والسوق ونحوهما. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ العقل كما يكشف بعد ملاحظة مقدّمات دليل الانسداد عن اعتبار الظنّ وكونه حجّة شرعيّة في الجملة عند الشارع ، ولا يجوز كون المرجع عنده بعد الانسداد أمرا آخر من التقليد أو الاستخارة أو نحوهما ، كذلك يكشف عن رضا الشارع بتعيّن ما هو الحجّة عنده بقوّة الظنّ ، لكون الأقوى أولى بالاعتبار