وأمّا المرجّح الثاني وهو كون بعضها أقوى ظنّا من الباقي ، ففيه : أنّ ضبط مرتبة (٨٩٤) خاصّة له متعسّر أو متعذّر ؛ لأنّ القوّة والضعف إضافيّان (٨٩٥) ، وليس
______________________________________________________
٨٩٤. يرد على الترجيح بالقوّة مضافا إلى ما أورده عليه أنّه خلاف الإجماع ، إذ لم يقل أحد بتعيّن العمل بالظنّ القويّ دون الضعيف عند اختلاف مراتبه ، بأن يجب العمل بالأولويّة المفيدة للظنّ القوي ، ويترك الخبر الصّحيح الأعلى المفيد للظنّ الضعيف ، وإن قال بعضهم بالتفرقة بين أسباب الظنون. وقول صاحب المعالم بأنّ «العقل قاض بأنّ الظنون إذا كان له جهات متعدّدة متفاوتة بالقوّة والضعف ، فالعدول عن القويّ منها إلى الضعيف قبيح» انتهى أيضا مبنيّ عليها ، وإن عبّر بقوّة الظنّ وضعفه ، ولذا ترى عمله بالخبر الصحيح الأعلى دون الأولويّة وإن أفادت ظنّا أقوى من الظنّ الحاصل.
فإن قلت : كيف تدّعي الإجماع على عدم جواز التجزية بين الأسباب بقوّة الظنّ الحاصل منها وضعفه ، وعادة قدماء الأصحاب جارية على العمل بالأخبار الموثوق بالصدور ، سواء كانت صحيحة على اصطلاح المتأخّرين أم ضعيفة؟ وتنويع الأخبار على أنواعها الأربعة إنّما حدث في زمان العلّامة ، ولذا قال الأمين الأسترآبادي في حقّه ما قال غفلة عن الغرض الذي دعا العلّامة إلى ذلك ، فإنّه لمّا رأى انطماس القرائن وخفائها بمرور الأيّام فأراد ضبط ما تيسّر منها بحسب الإمكان.
قلت : إنّ هذا إنّما هو بالنسبة إلى خصوص الأخبار ، وإلّا فالبناء على الأخذ بالظنّ القوي من أيّ سبب حصل ـ وإن كان هي الشهرة في مقابل الخبر الصحيح الأعلى كما هو مقتضى الترجيح بالقوّة ـ لم يقل به أحد من الأصحاب ، فتأمّل.
٨٩٥. إذ لا ريب أنّ مراتب الظنون مختلفة في الغاية ، لأنّ بين أولى مراتب الرجحان ـ التي هي أولى مراتب الظنّ ـ واخرى مراتبه مراتب كثيرة ، وحينئذ إن اريد بالقوّة مطلقها فلا ريب أنّه غير منضبط ، لكون القوّة والضعف من الامور الإضافيّة ، فكلّ مرتبة من المراتب الواقعة بين المرتبة الاولى والأخيرة قويّة بالنسبة إلى ما قبلها وضعيفة بالنسبة إلى ما بعدها ، فمثل ذلك لا يصلح للترجيح عند