وبالجملة : فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق امتثال الأحكام إلى ما هو المتعارف بينهم في امتثال أحكامهم العرفيّة من الرجوع إلى العلم أو الظنّ الاطمئناني ، فإذا فقدا تعيّن الرجوع أيضا بحكم العقلاء إلى الظنّ الغير الاطمئناني ، كما أنّه لو فقد ـ والعياذ بالله ـ تعيّن الامتثال بأخذ أحد طرفي الاحتمال (*) فرارا عن المخالفة القطعيّة والإعراض عن التكاليف الإلهيّة الواقعيّة.
فظهر ممّا ذكرنا (٨١١) اندفاع ما يقال من أنّ منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء الأحكام الواقعيّة ؛ إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان.
توضيح الاندفاع : أنّ التكليف إنّما يقبح مع عدم ثبوت الطريق رأسا ولو بحكم العقل الحاكم بالعمل بالظنّ مع عدم الطريق الخاصّ أو مع ثبوته وعدم رضا الشارع بسلوكه ، وإلّا فلا يقبح التكليف مع عدم الطريق الخاصّ وحكم العقل بمطلق الظنّ ورضا الشارع به ؛ ولذا اعترف هذا المستدلّ بأنّ الشارع لم ينصب طريقا خاصا يرجع إليه عند انسداد باب العلم في تعيين الطرق (**) (٨١٢) الشرعيّة مع بقاء التكليف بها.
وربّما يستشهد (٨١٣) للعلم الاجمالي بنصب الطريق بأنّ المعلوم من سيرة العلماء في استنباطهم هو اتّفاقهم على طريق خاصّ وإن اختلفوا في تعيينه. وهو ممنوع أوّلا : بأنّ جماعة من أصحابنا ـ كالسيّد رحمهالله وبعض من تقدّم عليه وتأخّر عنه ـ منعوا نصب الطريق الخاصّ رأسا بل أحاله بعضهم. وثانيا : لو أغمضنا عن مخالفة السيّد وأتباعه ، لكن مجرّد قول كلّ من العلماء بحجّية طريق خاصّ ـ حب ما أدّى
______________________________________________________
٨١١. من الإحالة إلى المتعارف.
٨١٢. متعلّق بقوله : «لم ينصب».
٨١٣. المستشهد هو المستدلّ.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الاحتمال» ، الامتثال.
(**) في بعض النسخ زيادة : الخاصّة.