أمّا الطائفة الاولى ، فقد ذكروا لذلك وجهين : أحدهما وهو الذي اقتصر عليه بعضهم (٨٠٣) ما لفظه : «إنّا كما نقطع بأنّا مكلّفون في زماننا هذا تكليفا فعليّا بأحكام فرعيّة كثيرة ، لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معيّن يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذّره (٨٠٤) ، كذلك نقطع بأنّ الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة ، وكلّفنا تكليفا فعليّا بالرجوع إليها في معرفتها. ومرجع هذين القطعين (٨٠٥) عند التحقيق إلى أمر واحد ، وهو القطع بأنّا مكلّفون تكليفا فعليّا بالعمل بمؤدّى طرق مخصوصة ، وحيث إنّه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا بطريق يقطع عن السمع بقيامه بالخصوص أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد
______________________________________________________
تقدير المخالفة.
وبالجملة ، إنّ قصد التخلّص من النار من جملة الغايات المصحّحة للعمل ، بل هو المحرّك عند العقل على ما عرفت. وحينئذ إن أمكن تحصيل العلم بالبراءة كان هو المتعيّن عند العقل ، وإلّا كان المتعيّن هو تحصيل الظنّ بها ، سواء كان حاصلا من الظنّ بالواقع أو بالطريق بعد فرض استلزامها للظنّ بها.
٨٠٣. هو صاحب الفصول. وهو رحمهالله تعالى قد استدلّ ـ بعد ما نقله عنه المصنّف رحمهالله ـ على إثبات نصب الطرق وكون الواقع مطلوبا من طرق خاصّة ببعض الوجوه الذي أشار المصنّف رحمهالله في طيّ كلماته إلى فساده.
٨٠٤. يعني : عند تعذّر القطع بالواقع ، بأن كان جواز العمل بالطريق المنصوب مرتّبا على تعذّر القطع بالواقع لا واقعا في عرضه.
٨٠٥. يعني : أنّ مرجع القطع بثبوت التكليف بالأحكام الواقعيّة وبالطرق المنصوبة إلى القطع بكون الواقع مطلوبا من هذه الطرق ، بمعنى اقتناع الشارع في امتثال الأحكام الواقعيّة بالعمل بمؤديات هذه الطرق ، وإلّا فلا يعقل أن يكون الواقع على ما هو عليه مطلوب الوصول إليه بهذه الطرق ، إذ مطلوبيّة الواقع على ما هو عليه لا يعقل إلّا بالأمر بالعلم أو بالاحتياط ، إذ ربّما تتخلّف هذه الطرق من