لا تثبت إلّا اعتبار الظنّ وحجّيته في كون الشيء طريقا شرعيّا مبرءا للذمّة في نظر الشارع ، ولا يثبت اعتباره في نفس الحكم الفرعي زعما منهم عدم نهوض المقدّمات المذكورة لإثبات حجّية الظنّ في نفس الأحكام الفرعيّة ، إمّا مطلقا أو بعد العلم الإجمالي بنصب الشارع طرقا للأحكام الفرعيّة. الثاني : مقابل هذا ، وهو من يرى أنّ المقدّمات المذكورة لا تثبت إلّا اعتبار الظنّ في نفس الأحكام الفرعيّة ، وأمّا الظنّ بكون شيء طريقا مبرءا للذمّة فهو ظنّ في المسألة الاصوليّة لم يثبت اعتباره فيها من دليل الانسداد ؛ لجريانها في المسائل الفرعيّة دون الاصوليّة.
______________________________________________________
وأقول : قد اختار الثاني صاحب الهداية والفصول ، وسبقهما الشيخ أسد الله التستري. وهو لا يقدح فيما ذكره في الفصول من أنّه لم يسبقه إلى ما اختاره أحد ، لأنّه مع أخيه الفاضل البارع صاحب الهداية من تلامذة الشيخ المذكور ، ولا غرو في نسبة التلميذ مطالب شيخه إلى نفسه ، كما جرى ديدنهم عليه في أمثال هذا الزمان. واختار الثالث المحقّق البهائي والمحقّق القمّي وصاحب الرياض قدس سرّهم.
وحاصل ما استدلّ به المصنّف رحمهالله على مختاره : أنّ المناط في حكم العقل بعد تعذّر الامتثال القطعي التفصيلي ، وعدم وجوب الإجمالي ، وعدم جواز الاعتماد على سائر الطرق المقرّرة للجاهل ، هو تحصيل الظنّ بفراغ الذمّة ، سواء حصل من الظنّ بالواقع أو الظنّ بالطريق ، لعدم كون الواقع على ما هو عليه ـ وكذا تطبيق العمل للطرق المقرّرة المعتبرة شرعا ـ مطلوبا عند العقل إلّا من هذه الجهة ، لأنّ العقل الحاكم بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية في الأوامر الشرعيّة والعرفيّة إنّما يحكم بذلك لأجل خوف الضرر في المخالفة ، لا لأجل كون المولى أهلا ومستحقّا لذلك ، ولا من جهة المصالح الكامنة في المأمور به ، ولا تحصيل الثواب ، لأنّ هذه الغايات وإن وجدت كثيرا ما في الأشخاص على حسب اختلاف استعداداتهم ومراتبهم ، ولذا قد قسّم أعمال العباد في الأخبار على طاعة الأحرار وطاعة العبيد وطاعة الأجراء ، إلّا أنّ الظاهر أنّ قصد هذه الغايات إنّما هو لأجل تحصيل كمال الإطاعة ، وإلّا فالمحرّك للعبد من قبل العقل إلى الامتثال هو خوف العقاب على