فله مراتب أربع : الاولى : الامتثال العلمي التفصيلي ، وهو أن يأتي بما يعلم تفصيلا أنّه هو المكلّف به ، وفي معناه ما إذا ثبت كونه هو المكلّف به بالطريق الشرعيّ وإن لم يفد العلم ولا الظنّ ، كالاصول الجارية في مواردها وفتوى المجتهد بالنسبة إلى الجاهل العاجز عن الاجتهاد. الثانية : الامتثال العلمي الإجمالي ، وهو يحصل بالاحتياط. الثالثة : الامتثال الظنّي ، وهو أن يأتي بما يظنّ أنّه المكلّف به. الرابعة : الامتثال الاحتمالي ، كالتعبّد بأحد طرفي المسألة من الوجوب والتحريم أو التعبّد ببعض محتملات المكلّف به عند عدم وجوب الاحتياط أو عدم إمكانه.
وهذه المراتب مترتّبة لا يجوز بحكم العقل العدول عن سابقتها إلى لاحقتها إلّا مع تعذّرها ، على إشكال في الأوّلين تقدّم في أوّل الكتاب (٧٩٦) ، وحينئذ فإذا تعذّرت المرتبة الاولى ولم يجب الثانية تعيّنت الثالثة ، ولا يجوز الاكتفاء بالرابعة.
فاندفع بذلك : ما زعمه بعض (٣٠) من تصدّى لردّ دليل الانسداد بأنّه لا يلزم من إبطال الرجوع إلى البراءة ووجوب العمل بالاحتياط وجوب العمل بالظنّ ؛ لجواز أن يكون المرجع شيئا آخر لا نعلمه ، مثل القرعة والتقليد أو غيرهما ممّا لا نعلمه ، فعلى
______________________________________________________
٧٩٥. (*) إذ لا ريب في انسداد باب العلم بالضرر والعدالة غالبا مع تعلّق أحكام مختلفة بهما ، وكون العمل بأصالة البراءة مستلزما لمخالفة العلم الإجمالي بل المخالفة الكثيرة ، وعدم إمكان الاحتياط في موردهما ، فتعيّن العمل في تعيينهما بالظنّ لا محالة.
٧٩٦. إذ تقدّم تفصيل الكلام في مقصد حجّية القطع في جواز الاحتياط مع التمكّن من العلم التفصيلي أو الظنّ الخاصّ أو الظنّ المطلق ، فراجع ولاحظ.
__________________
(*) هذه التعليقة على عبارة وردت في بعض نسخ الفرائد ، وهي قوله : «المقدّمة الرابعة : في أنّه إذا وجب التعرّض لامتثال الواقع في مسألة واحدة أو في مسائل ، ولم يمكن الرجوع فيها إلى الاصول ، ولم يجب أو لم يجز الاحتياط ، تعيّن العمل فيها بمطلق الظّن. ولعلّه لذلك يجب (٧٩٥) العمل بالظنّ في الضرر والعدالة وأمثالهما. إذا تمهّدت هذه المقدّمات ، فنقول : إذا ثبت وجوب التعرّض فيما نحن فيه للامتثال حيث انسدّ فيه باب العلم والظنّ الخاصّ كما مرّ في المقدّمة الاولى».