توضيح ما ذكرنا : أنّا نفرض المشتبهات التي علم إجمالا بوجود الواجبات الكثيرة فيها بين مظنونات الوجوب ومشكوكات الوجوب وموهومات الوجوب ، وكان الإتيان بالكلّ عسرا أو قام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الجميع ، تعيّن ترك الاحتياط وإهماله في موهومات الوجوب ، بمعنى أنّه إذا تعلّق ظنّ بعدم الوجوب لم يجب الإتيان. وليس هذا معنى حجّية الظنّ ؛ لأنّ الفرق بين المعنى المذكور وهو أنّ مظنون عدم الوجوب لا يجب الإتيان به ، وبين حجّية الظنّ بمعنى كونه في الشريعة معيارا لامتثال التكاليف الواقعيّة نفيا وإثباتا ـ وبعبارة اخرى : الفرق بين تبعيض الاحتياط في الموارد المشتبهة وبين جعل الظنّ فيها حجّة ـ هو أنّ الظنّ إذا كان حجّة في الشرع كان الحكم في الواقعة الخالية عنه الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة من دون التفات إلى العلم الإجمالي بوجود التكاليف الكثيرة بين المشتبهات ؛ إذ حال الظنّ حينئذ كحال العلم التفصيلي والظنّ الخاصّ بالوقائع ، فيكون الوقائع بين معلومة الوجوب تفصيلا أو ما هو بمنزلة المعلوم وبين مشكوك الوجوب رأسا.
وأمّا إذا لم يكن الظنّ حجّة ـ بل كان غاية الأمر بعد قيام الإجماع ونفي الحرج على عدم لزوم الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة التي علم إجمالا بوجود التكاليف بينها ، عدم وجوب الاحتياط بالإتيان بما ظنّ عدم وجوبه ؛ لأنّ ملاحظة الاحتياط في موهومات الوجوب خلاف الإجماع وموجب للعسر ـ كان اللازم في الواقعة الخالية عن الظنّ الرجوع إلى ما يقتضيه العلم الإجمالي المذكور من الاحتياط ؛ لأنّ سقوط الاحتياط في سلسلة الموهومات لا يقتضي سقوطه في المشكوكات لاندفاع الحرج بذلك.
______________________________________________________
مطلقا ، بمعنى عدم وجوب الاحتياطات الموهومة ، كذلك يندفع بالتبعيض في مراتب الظنون المذكورة ، بأن يترك الاحتياط في الظنون القويّة المخالفة للاحتياط ، ويلتزم به في غيرها ، لعدم استلزام إضافة ذلك إلى الاحتياط في المشكوكات والظنون الموافقة للاحتياط للعسر ، لقلّة وجوده ، فتدبّر.