ومنها : أنّ العمل بالاحتياط مخالف للاحتياط ؛ لأنّ مذهب جماعة من العلماء بل المشهور بينهم اعتبار معرفة الوجه بمعنى تمييز (*) الواجب عن المستحبّ اجتهادا أو تقليدا ، قال في الإرشاد في أوائل الصلاة : يجب معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها وإيقاع كلّ منهما على وجهه (٢٧) ، وحينئذ : ففي الاحتياط إخلال بمعرفة
______________________________________________________
مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة فيها ، فهو خلاف الفرض. وإن اريد عدم وجوبه مع ملاحظته فهو ضعيف ، كما قرّره المصنّف رحمهالله في أوّل المقدّمة ، وإن كان القائل بذلك ـ على تقدير تسليمه ـ مستريحا عن كلفة الجواب عن وجوب الاحتياط في المقام. ومن القائلين بذلك هو المحقّق القمّي رحمهالله ، حيث زعم أنّ العلم الإجمالي بوجودها فيها إنّما يوجب الخروج من المخالفة القطعيّة ، لا تحصيل الموافقة القطعيّة ولذا ذهب في الشبهة المحصورة إلى جواز الارتكاب إلى أن يبقى من أطرافها مقدار يقطع بارتكابه بارتكاب الحرام ، والخروج من المخالفة القطعيّة يحصل بالعمل بالظنون المطابقة للاحتياط ، فيرجع في الموهومات والمشكوكات إلى أصالة البراءة. ولا يرد عليه ما أورده المصنّف رحمهالله في المقدّمة الثانية على القول بالرجوع في الوقائع المشتبهة إلى أصالة البراءة من لزوم الخروج من الدين ، لأنّ ذلك مع الرجوع إليها في جميع الوقائع المشتبهة ، لا مع التبعيض فيها كما هو لازم هذا القول.
وعلى كلّ تقدير ، فعلى القول بكون العلم الإجمالي موجبا للخروج من المخالفة القطعيّة لا تحصيل الموافقة القطعيّة ، يكون نفي الاحتياط الكلّي وجواز العمل بالظنّ بعد الانسداد وبقاء التكليف على طبق القاعدة ، بل مقتضاه جواز العمل بالظنّ في كلّ مسألة انسدّ فيها باب العلم وإن كان مفتوحا في غيرها. وأمّا القول بأنّ الخروج من المخالفة القطعيّة لا يوجب العمل بجميع الظنون فهو كلام آخر لا دخل له فيما نحن بصدده ، لأنّ الكلام في المقام إنّما هو في نفي وجوب ،
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «تمييز» ، تميّز.