لوجهين : أحدهما : الإجماع القطعي على عدم وجوبه في المقام ، لا بمعنى أنّ أحدا من العلماء لم يلتزم بالاحتياط في كلّ الفقه أو جلّه حتّى يرد عليه أنّ عدم التزامهم به إنّما هو لوجود المدارك المعتبرة عندهم للأحكام ، فلا يقاس عليهم من لا يجد مدركا في المسألة ، بل بالمعنى الذي تقدّم نظيره في الإجماع على عدم الرجوع إلى البراءة. وحاصله دعوى (٧٣٠) الإجماع القطعي على أنّ المرجع في الشريعة ـ على تقدير انسداد باب العلم في معظم الأحكام وعدم ثبوت حجّية أخبار الآحاد رأسا أو باستثناء قليل هو في جنب الباقي كالمعدوم ـ ليس هو الاحتياط في الدين والالتزام بفعل كلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك كلّ ما يحتمل الحرمة كذلك. وصدق هذه الدعوى ممّا يجده المنصف من نفسه بعد ملاحظة قلّة المعلومات ، مضافا إلى ما يستفاد من أكثر كلمات العلماء ، المتقدّمة في بطلان الرجوع إلى البراءة وعدم التكليف في المجهولات ؛
______________________________________________________
٧٣٠. مرجعه إلى دعوى الإجماع الحدسي الفرضي. وربّما يوهن هذه الدعوى عدم وجود عنوان لهذه المسألة في كتب القدماء ، ولا اعتداد بدعوى الإجماع في المسائل المستحدثة كما قرّر في محلّه ، لعدم إمكان تحصيل المعرفة حينئذ بأقوال العلماء حتّى يتحدّس بها عن رضا المعصوم عليهالسلام.
لا يقال : ربّ مسألة غير معنونة في كلماتهم إلّا أنّه تعرف أقوالهم فيها بملاحظة نظائرها ، كما ذكره المصنف رحمهالله في المقدّمة المتقدّمة ، وسيشير هنا أيضا إلى دلالة كلمات كثير منهم على المدّعى في المقام.
لأنّا نقول : سنشير إلى عدم دلالة كلماتهم على المدّعى في المقام ، ومعه لا تمكن معرفة أقوالهم في المقام حتّى يتحدّس بها عن رضا المعصوم عليهالسلام. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه تمكن معرفة أقوالهم هنا بعدم قولهم بما يوجب اختلال النظم أو العسر ، مع فرض كون الاحتياط الكلّي مستلزما لأحدهما ، فيستكشف بذلك عن عدم التزامهم بالاحتياط هنا. ولعلّه إلى هذا يشير قول المصنّف رحمهالله : «بعد ملاحظة قلّة المعلومات» لأنّ قلّة المعلومات لا تكشف عن عدم التزامهم بالاحتياط ، إلّا من حيث استلزام