فالحقّ ردّه بالوجوه الثلاثة المتقدّمة. ثمّ إنّ ما ذكره من التخلّص عن العمل بالظنّ بالرجوع إلى البراءة لا يجري في جميع الفقه ، إذ قد يتردّد الأمر بين كون المال لأحد شخصين ، كما إذا شكّ في صحّة بيع المعاطاة فتبايع بها اثنان ، فإنّه لا مجرى (٧٢٥) هنا للبراءة ؛ لحرمة تصرّف كلّ منهما على تقدير كون المبيع ملك صاحبه وكذا في الثمن ، ولا معنى للتخيير أيضا ؛ لأنّ كلا منهما يختار مصلحته ، وتخيير الحاكم هنا لا دليل عليه ، مع أنّ الكلام في حكم الواقعة لا في علاج الخصومة. اللهمّ إلّا أن
______________________________________________________
٧٢٥. لأنّه مع الشكّ في صحّة المعاطاة وكونها سببا للنقل والانتقال لا معنى للتمسّك بأصالة البراءة ، إذ لا محصّل للبراءة عن سببيّة السبب المشكوك في سببيّته. وحينئذ إذا تبايعا على وجه المعاطاة ، فحرمة تصرّف البائع في الثمن والمشتري في المبيع وعدمها تابعة لصحّة المعاطاة وفسادها في الواقع ، فما لم تثبت صحّة المعاطاة أو فسادها لم تثبت حرمة التصرف أو عدمها. ولا يمكن التمسّك فيها بالأصل ، لما عرفت من قضيّة التبعيّة. وإثبات التخيير فيها للمتبايعين يؤدّي إلى التنازع ، وللحاكم لا دليل عليه. وحاصل ما ذكره : عدم تأتّي ما ذكره جمال العلماء من العمل بالبراءة والتخيير في الأحكام الوضعيّة إذا حصل الشكّ في شيء منها.
وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ المراد بقوله : «لحرمة تصرّف كلّ منهما ...» ، أنّه إذا فرض فساد المعاطاة في الواقع ليكون تصرّف المشتري في المبيع والبائع في الثمن حراما في الواقع ، وأصالة البراءة لا تدفع هذه الحرمة المحتملة ، لفرض كونها تابعة لفساد المعاملة في الواقع. وعلى هذا فالأولى أن يقول : وكذا الثمن بدل قوله : «وكذا في الثمن». ولكنّك خبير بأنّ هذا إنّما يتمّ على القول بكون الأحكام الوضعيّة مجعولة ، وأمّا على المختار ـ وفاقا للمصنّف رحمهالله ، بل المحقّقين من العلماء كما سيجيء في مبحث الاستصحاب ـ من كونها منتزعة من الأحكام الطلبيّة ، فلا وجه للمنع من التمسّك بأصالة البراءة.
فإن قلت : إنّ مقتضى القاعدة في المثال هو استصحاب حرمة تصرّف كلّ من المتبايعين فيما أخذه من صاحبه ، بل استصحاب بقاء كلّ من المبيع والثمن في ملك