بمقتضى الأصل المذكور. وأمّا فيما لم يكن مندوحة عنه ، كالجهر بالتسمية والإخفات بها في الصلاة الإخفاتيّة التي قال بوجوب كلّ منهما قوم ولا يمكن لنا ترك التسمية فلا محيص لنا عن الإتيان بأحدهما ، فنحكم بالتخيير فيها ؛ لثبوت وجوب أصل التسمية وعدم ثبوت وجوب الجهر أو الإخفات ، فلا حرج لنا في شيء منهما ، وعلى هذا فلا يتمّ الدليل المذكور ؛ لأنّا لا نعمل بالظنّ أصلا ، انتهى كلامه ، رفع مقامه.
وقد عرفت : أنّ المحقّق القمّي قدسسره أجاب عنه (٧٢٤) بما لا يسلم عن الفساد ،
______________________________________________________
بأيّهما اختار من القولين ، على فرض اختيار كلّ منهما يصير واجبا عليه ، فلا معنى لأصل البراءة حينئذ ، نظير التخيير بين الرجوع إلى المجتهدين كما مرّ ، فإنّ المفروض أنّ القول منحصر في وجوب الجهر ووجوب الإخفات ، وأنّ أحدهما ثابت في نفس الأمر جزما ، لا أنّ الأصل عدم وجوب شيء والدليل الظنّي دلّ على أحدهما ، فننفيه بأصل البراءة. فبعد ثبوت التخيير أيضا يثبت حكم جزما ، فالتخيير في الرجوع إلى الدليلين أو القولين غير التخيير في اختيار أحد المدلولين ليكون تخييرا في أصل المسألة» انتهى كلامه رفع مقامه.
ويرد عليه : أنّا نختار أوّلا أنّ مراده بالتخيير هو أصل البراءة الذي هو المعوّل عليه بعد تعارض الدليلين وتساقطهما ، إلّا أنّه لم يظهر من جمال العلماء حصر العمل بأصالة البراءة في صورة الانسداد بصورة وجود أمارة ظنّية في مقابل الأصل ، لأنّه إنّما منع من جواز العمل بالظنّ في صورة الانسداد بدعوى جواز العمل بأصالة البراءة ، لا مع اعتبار كونها في مقابل الأمارة الظنّية ، غاية الأمر أن يكون هذا من الموارد الخالية من الظنّ. وبالجملة ، إنّه لا وجه لحمل كلام جمال العلماء على صورة وجود ظنّ في مقابل الأصل.
ونختار ثانيا أنّ مراده بالتخيير هو التخيير في الأخذ بأحد الدليلين المتعارضين ، ولا ريب أنّ التخيير في الأخذ بإحدى الحجّتين نوع من البراءة ، لأصالة عدم تعيّن إحداهما عليه ، ولا غائلة فيه أصلا.
٧٢٤. هو ما أشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله : «وذكر المحقّق القمّي رحمهالله».