اعتباره دليل يفيد العلم ، ففيما انتفى الأمران (٧٢١) فيه يحكم العقل ببراءة الذّمة عنه وعدم جواز العقاب على تركه ، لا لأنّ الأصل المذكور يفيد ظنّا بمقتضاها حتّى يعارض بالظنّ الحاصل من أخبار الآحاد بخلافها ؛ بل لما ذكرنا : من حكم العقل بعدم لزوم شيء علينا ما لم يحصل العلم لنا ولا يكفي الظنّ به.
______________________________________________________
٧٢١. أورد عليه المحقّق القمّي رحمهالله بأنّ ذلك لا ينطبق على مدّعاه ، إذ المفروض أنّ غسل الجمعة يقيني ، ولكنّه مردّد بين الوجوب والندب ، ولا ثالث لهما. وما ذكره من الحكم بجواز الترك بأصالة البراءة ، إن أراد نفي الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب فهو لا يلائم ما ثبت يقينا من الشرع. وإن أراد إثبات الاستحباب ، فهو ليس إلّا معنى ترجيح أحاديث الاستحباب على أحاديث الوجوب بسبب الاعتضاد بالأصل. وأمّا الحكم بسبب الأصل أنّ الرجحان الثابت بالإجماع والضرورة لا يكون إلّا هو الرجحان الاستحبابي دون الوجوبي ، فهو لا يتمّ إلّا بترجيح أصل البراءة على الاحتياط ، وهو موقوف على حجّية هذا الظنّ.
وبالجملة ، إنّ الجنس لا بقاء له بدون الفصل ، والثابت من الشرع أحد الأمرين ، وأصل البراءة لا يمنع إلّا المنع من الترك. وعلى فرض أن يكون الرجحان الثابت بالإجماع هو الحاصل في ضمن الوجوب فقط في نفس الأمر ، فمع نفي المنع من الترك بأصل البراءة لا يبقى رجحان أصلا ، لانتفاء الجنس بانتفاء فصله. وأصل البراءة مع المنع من الترك لا يوجب كون الثابت بالإجماع في نفس الأمر هو الاستحباب ، فكيف يحكم بالاستحباب؟
وفيه : أنّ مراد جمال العلماء بما فيه مندوحة هو ما لا يكون الأمر فيه دائرا بين المحذورين ، مثل ما دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة ، فثبوت غسل الجمعة من الشرع في الجملة يقينا ، ودوران أمره بين الوجوب والاستحباب ، لا ينافي كونه ممّا فيه مندوحة.
وأمّا ما ذكره ثانيا بقوله : «وما ذكره من الحكم بجواز الترك ...» إلى آخر ما ذكره ، فيرد عليه : أنّ للخصم أن يقول بالاستحباب بعد نفي الوجوب بالأصل ،