واعلم : أنّ الاعتراض على مقدّمات دليل الانسداد بعدم استلزامها للعمل بالظنّ لجواز الرجوع إلى البراءة ، وإن كان قد أشار إليه صاحب المعالم وصاحب الزبدة وأجابا عنه بما تقدّم مع ردّه : من أنّ أصالة البراءة لا يقاوم الظنّ الحاصل من خبر الواحد ، إلّا أنّ أوّل من شيّد الاعتراض به (٧١٩) وحرّره لا من باب الظنّ هو المحقّق المدقّق جمال الدين قدسسره في حاشيته (٧٢٠) ، حيث قال :
يرد على الدليل المذكور : أنّ انسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة غالبا لا يوجب جواز العمل بالظنّ حتّى يتّجه ما ذكروه ؛ لجواز أن لا يجوز العمل بالظنّ ، فكلّ حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع نحكم به ، وما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة ، لا لكونها مفيدة للظنّ ، ولا للإجماع على وجوب التمسّك بها ؛ بل لأنّ العقل يحكم بأنّه لا يثبت تكليف علينا إلّا بالعلم به ، أو بظنّ يقوم على
______________________________________________________
البراءة وإن لم يكن هنا خبر أيضا.
وتوضيح فساد الأوّل قد تقدّم عند شرح ما أورده على المحقّق القمّي رحمهالله. وحاصل فساد الثاني : أنّ جريان البراءة إنّما هو مشروط بعدم ثبوت البيان عندنا لا بعدم البيان في الواقع ، وقد تقدّم توضيحه هناك أيضا.
وقد يورد على العمل بأصالة البراءة في المقام بأنّ فيه عدولا عن الظنّ إلى مثله ، إذ غايتها إفادة الظنّ دون القطع.
وفيه : أنّ فيه عدولا عن الظنّ إلى ظنّ مقطوع الاعتبار لا إلى مثله ، لدلالة الآيات والأخبار عليها. مع أنّه إن اريد من إفادتها للظنّ الظنّ بالحكم الواقعي فهو ممنوع ، لأنّها إنّما تفيد حكما تعبّديا في مورد الشكّ على ما هو التحقيق ، خلافا لظاهر المشهور وصريح جماعة. وإن اريد إفادتها للظنّ بالحكم الظاهري فهو كما ترى ، لأنّها إنّما تفيد العلم به دون الظنّ.
٧١٩. بالعمل بأصالة البراءة لا من باب إفادتها للظنّ.
٧٢٠. أي : على شرح مختصر الحاجبي.