فيه خلاف بين العقلاء ، وإنّما ذهب من ذهب إلى وجوب الاحتياط لزعم نصب الشارع البيان على وجوب الاحتياط من الآيات والأخبار التي ذكروها. وأمّا الخبر الصحيح فهو كغيره من الظنون إن قام دليل قطعي على اعتباره كان داخلا في البيان ، ولا كلام في عدم جريان البراءة معه ، وإلّا فوجوده كعدمه غير مؤثّر في الحكم
______________________________________________________
أنّه قد نبّه على ذلك بتصريحه بكون مبنى البراءة على قبح المؤاخذة بلا بيان.
وثانيها : أنّك بعد ما عرفت من كون مبنى حكم العقل بالبراءة هو قبح التكليف بلا بيان ، ظهر أنّه لا وجه لتخصيص قطعيّة أصل البراءة بما قبل ورود الشرع ، إذ حكم العقل بذلك حكم قطعي لا اختصاص له بما قبل ورود الشرع. مع أنّ هذا إنّما يناسب التعبير بأصالة الإباحة ، لأنّ ذلك من وجوه الفرق بينها وبين أصالة البراءة ، حيث فرّق بينهما باختصاص الاولى بما قبل ورود الشرع والثانية بما بعده.
ويمكن دفع هذا الإيراد بأنّ الظاهر أنّ مراد المحقّق القمّي رحمهالله بالتفصيل بين ما قبل ورود الشرع وما بعده إنّما هو لأجل عدم تحقّق العلم الإجمالي قبل ورود الشرع ، لا لأجل خصوصيّة اخرى لما قبل ورود الشرع وما بعده. نعم ، يرد عليه حينئذ عدم الفرق بينهما قبل الشرع وما بعده في حصول العلم الإجمالي وعدمه ، إذ لا يخلو كلّ زمان من نبيّ وشرع. اللهمّ إلّا أن يكون مقصوده بما قبل ورود الشرع هو قطع النظر عن وروده.
وثالثها : أنّ منع إفادة أصالة البراءة لليقين بعد ورود الخبر الصحيح على خلافها ممّا لا محصّل له ، لأنّ ذلك إن كان مع فرض حجّية الخبر الصحيح فهو خروج من محلّ الفرض ، إذ الفرض عدم ثبوت حجّية الخبر بعد ، إذ المقصود في المقام بيان كون المرجع بعد الانسداد الأغلبي هي البراءة أو الظنّ المطلق ، كيف ولو ثبت اعتبار الخبر الصحيح لم ينسدّ باب العلم شرعا وإن فرض انسداده وجدانا. وإن كان مع فرض عدم حجّيته كما هو صريح آخر كلامه حيث قال : «الأخبار والآيات التي لم يثبت اعتبارها» فهو كما ترى ، إذ وجود الخبر في قبالها حينئذ بمنزلة احتمال غير معتبر في قبالها ، فلو لم تكن البراءة حينئذ معتبرة لم يبق لها مورد أصلا.