إنّه مستحيل ؛ لأنّ العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات الكثيرة في جملة الوقائع المشتبهة يمنع عن حصول الظنّ بعدم وجوب شيء من الوقائع المحتملة للوجوب وعدم حرمة شيء من الوقائع المحتملة للتحريم ؛ لأنّ الظنّ بالسالبة الكلّية يناقض العلم بالموجبة الجزئيّة ، فالظنّ بأنّه «لا شخص من العلماء بفاسق» يناقض العلم إجمالا بأنّ «بعض العلماء فاسق». وثانيا : إنّه على تقدير الإمكان غير واقع ؛ لأنّ الأمارات التي يحصل للمجتهد منها الظنّ في الوقائع لا تخلو عن الأخبار المتضمّن كثير منها لإثبات التكليف وجوبا وتحريما ، فحصول الظنّ بعدم التكليف في جميع الوقائع أمر يعلم عادة
______________________________________________________
ومع فرض حصول الظنّ الفعلي بآحاد المسائل يمتنع حصول العلم الإجمالي بمخالفة بعضها للواقع ، إذ الظنّ عبارة عن الطرف الراجح ، ومع فرض اعتقاد رجحان أحد طرفي المسألة في جميع المسائل يمتنع حصول القطع إجمالا بمخالفة بعضها للواقع ، لكون الموجبة الكلّية منتقضة بالسالبة الجزئيّة. نعم ، يتمّ ذلك على القول بالظنون الخاصّة ، لعدم اعتبار الظنّ الفعلي على هذا القول.
ولكن لقائل أن يمنع من امتناع اجتماع الظنّ الفعلي مع العلم الإجمالي فيما كانت دائرة المظنونات أوسع كما في المقام ، وذلك لأنّ اللازم على القول بمطلق الظنّ تحصيل الظنّ الفعلي في كلّ مسألة عند إرادة الترجيح والاجتهاد فيها ، ولا ريب أن المجتهد إذا دخل في الفقه وشرع في مسائل الطهارة والعبادات ورجّح المسائل ، فإذا انتهى إلى مسائل الديات يزول عن نفسه أكثر الظنون الحاصلة في مسائل الطهارة والعبادات مثلا ، وحينئذ فحصول العلم الإجمالي بمخالفة بعض اجتهاداته السابقة للواقع لا ينافي حصول الظنّ الفعلي في المسألة التي يريد الاجتهاد فيها.
نعم ، لو فرض شخص ذاكرا لجميع اجتهاداته ، ولم يزل ظنّه في جميع ما اجتهد فيه ، امتنع حصول العلم الإجمالي له بمخالفة بعض اجتهاداته للواقع. ولكنّه فرض غير واقع. مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ القائل بالظنّ المطلق لا يجب أن تكون جميع ظنونه ظنونا فعليّة ، إذ قد تكون عنده ظنون خاصّة معتبرة من باب الظنّ النوعي وإن لم تكن وافية بأغلب أبواب الفقه. وحينئذ إذا احتمل الفقيه انحصار