من جهة العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات ؛ فإنّ أدلّتها مختصّة بغير هذه الصورة ، ونحن نعلم إجمالا أنّ في المظنونات (*) واجبات كثيرة ومحرّمات كثيرة. والفرق بين هذا الوجه وسابقه : أنّ الوجه السابق كان مبنيّا (٧٠٩) على لزوم المخالفة القطعيّة الكثيرة المعبّر عنها بالخروج عن الدين ، وهو محذور مستقلّ وإن قلنا بجواز العمل بالأصل في صورة لزوم مطلق المخالفة القطعيّة. وهذا الوجه مبنيّ على أنّ مطلق المخالفة القطعيّة غير جائز ، وأصل البراءة في مقابلها غير جار ما لم يصل المعلوم الإجمالي إلى حدّ الشبهة الغير المحصورة ، وقد ثبت في مسألة البراءة أنّ مجراها الشكّ في أصل التكليف لا الشكّ في تعيينه مع القطع بثبوت أصله ، كما فيما نحن فيه.
فإن قلت (٧١٠) : إذا فرضنا أنّ ظنّ المجتهد أدّى في جميع الوقائع إلى ما يوافق البراءة ، فما تصنع؟
______________________________________________________
٧٠٩. لعلّ هذا هو السرّ في عدم العمل بأصالة البراءة هنا ممّن عمل بها في سائر موارد العلم الإجمالي ، حيث عمل بها في أطراف الشبهة المحصورة إلى مقدار يقطع بارتكابه بارتكاب الحرام ، بل عن بعضهم جواز المخالفة القطعيّة فيها. وحكى الشيخ في العدّة في مسألة اختلاف الأمّة على قولين قولا بجواز طرحهما والرجوع إلى مقتضى الأصل.
وبالجملة ، عدم جواز العمل بأصالة البراءة لأجل العلم الإجمالي بخلافها ، مغاير لعدم جوازه لأجل استلزامه المخالفة الكثيرة التي سمّاها بعضهم بالخروج من الدين ، والثاني أخصّ من الأوّل ، فلا منافاة بين عدم عملهم بأصالة البراءة هنا وعملهم بها في هاتين المسألتين.
٧١٠. لا يذهب عليك أنّ هذا السؤال لغاية وضوح فساده لا يحتاج إلى الثبت والإيراد.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «المظنونات» ، المشتبهات.