يأت بشيء عدا ما قرع سمع كلّ أحد من أدلّة البراءة وعدم ثبوت التكليف إلّا بعد البيان ، ولم يتفطّن لأن مجراها في غير ما نحن فيه ؛ فهل يرى من نفسه إجرائها لو فرضنا ـ والعياذ بالله ـ ارتفاع العلم بجميع الأحكام ، بل نقول : لو فرضنا أنّ مقلّدا دخل عليه وقت الصلاة ولم يعلم من الصلاة عدا ما تعلّم من أبويه بظنّ الصحّة ـ مع احتمال الفساد عنده احتمالا ضعيفا ـ ولم يتمكّن من أزيد من ذلك ، فهل يلتزم بسقوط التكليف عنه بالصلاة في هذه الحالة ، أو أنّه يأتي بها على حسب ظنّه الحاصل من قول أبويه والمفروض أنّ قول أبويه ممّا لم يدلّ عليه دليل شرعيّ؟ فإذا لم تجد من نفسك الرخصة في تجويز ترك الصلاة لهذا الشخص ، فكيف ترخّص الجاهل بمعظم الأحكام في نفي الالتزام بشيء منها عدا القليل المعلوم أو المظنون بالظنّ الخاصّ وترك ما عداه ولو كان مظنونا بظنّ لم يقم على اعتباره دليل خاصّ؟
بل الإنصاف : أنّه لو فرض ـ والعياذ بالله ـ فقد الظنّ المطلق في معظم الأحكام ، كان الواجب الرجوع إلى الامتثال الاحتمالي بالتزام ما لا يقطع معه بطرح الأحكام الواقعيّة.
الثالث : أنّه لو سلّمنا (٧٠٨) أنّ الرجوع إلى البراءة لا يوجب شيئا ممّا ذكر من المحذور البديهي وهو الخروج عن الدين ، فنقول : إنّه لا دليل على الرجوع إلى البراءة
______________________________________________________
٧٠٨. هنا وجه رابع لعدم جواز العمل بأصالة البراءة ، وهو لزوم اختلال النظام وضياع النفوس والأموال والأعراض لو كان العمل بأصالة البراءة في أكثر الأحكام المشتبهة مرخّصا فيه شرعا ، إذ يلزم حينئذ أن يبنى على البراءة كلّ من شكّ في جواز إتلاف صنف من النفوس ، أو في جواز التصرّف في نوع من أموال الناس ، أو في نكاح طائفة من النساء ، أو في أداء قسم من الحقوق ، وبذلك تختلّ الأنساب وتستباح النفوس والأموال ، وهذا حدّ يقطع كلّ أحد بفساده. مع أنّه ربّما لا يمكن العمل بأصالة البراءة ، كما في صورة التداعي ودوران مال بين شخصين لأجل الشبهة في حكمه ، كما في منجّزات المريض الدائرة بين كونها من الأصل أو الثلث ، وكذلك الحبوة التي اختلفوا في كونها للولد الأكبر بلا عوض أو معه.