بالذهاب إلى بغداد وتردّد الأمر بين طريقين ، أحدهما مظنون الإيصال والآخر موهومه ، فترجيح الموهوم قبيح ؛ لأنّه نقض للغرض ، وأمّا إذا لم يتعلّق التكليف بالواقع أو تعلّق به مع إمكان الاحتياط ، فلا يجب الأخذ بالراجح ، بل اللازم في الأوّل هو الأخذ بمقتضى البراءة وفي الثاني الأخذ بمقتضى الاحتياط ، فإثبات القبح موقوف على إبطال الرجوع إلى البراءة في موارد الظنّ وعدم وجوب الاحتياط فيها ، ومعلوم أنّ العقل قاض حينئذ بقبح ترجيح المرجوح ، فلا بدّ من إرجاع (٦٨٠) هذا الدليل إلى دليل الانسداد الآتي المركّب من بقاء التكليف وعدم جواز الرجوع إلى البراءة وعدم لزوم الاحتياط ، وغير ذلك من المقدّمات التي لا يتردّد الأمر بين الأخذ بالراجح والأخذ بالمرجوح إلّا بعد إبطالها.
الثالث : ما حكاه الاستاذ (٦٨١) عن استاذه (٦٨٢) السيّد الطباطبائيّ قدسسرهما (١٠) :
______________________________________________________
فإن قلت : إنّ ترخيص الشارع في العمل بمؤدّياتها في مقابل الظنّ يكشف عن وجود مصلحة فيه ، لئلّا يلزم تفويت مصلحة الواقع على تقدير مخالفتها للواقع ، ولا ريب أنّ العمل بالموهوم إنّما بقبح إذا لم يشتمل على رجحان من جهة اخرى. وبمثل ذلك يجاب لو أورد النقض بالأمارات الشرعيّة في الموضوعات في مقابل الظنون غير المعتبرة.
قلت : وجود المصلحة في العمل بالموهوم فيما نحن فيه أيضا مظنون ، لما تقدّم في كلام المصنّف رحمهالله عند الجواب عن دليل وجوب دفع الضرر المظنون ، من كون اعتبار أصالة البراءة والاستصحاب في مقابل الظنون التي لم يثبت اعتبارها مظنونا أو مقطوعا ، ومع ذلك لا يحكم العقل بقبح ترجيح المرجوح لرجحان المرجوح حينئذ من جهة اخرى.
٦٨٠. قد تقدّم عند شرح قوله : «فالأولى أن يجاب ...» ما يدفع هذا الكلام ، فراجع.
٦٨١. هو شريف العلماء.
٦٨٢. هو صاحب الرياض.