.................................................................................................
______________________________________________________
يقال : إنّ التكليف بالأحكام الواقعيّة ثابت ، وسبيل العلم إليها منسدّ ، والاحتياط غير واجب ، وأصالة البراءة والاستصحاب غير جاريتين ، وحينئذ يدور الأمر بين العمل بالمظنون والموهوم ، والعمل بالأوّل متعيّن ، لأنّ التوقّف عن الترجيح كترجيح المرجوح قبيح. وإن لم تنضمّ إليه المقدّمات المذكورة أمكن أن يقال بعدم وجوب الإفتاء في الواقعة وبالاحتياط في مقام العمل ، لأنّ مقتضى القاعدة بعد الانسداد هو وجوب الاحتياط في موارد الاحتياط.
وحينئذ يرد على المصنّف رحمهالله أنّ الدليل المذكور إذا كان مبنيّا على إحراز مقدّمات دليل الانسداد فلا وقع لما أورده على الدليل المذكور بالحلّ ، من تسليم القبح تارة ، ومنعه اخرى ، وإرجاعه إلى دليل الانسداد ثالثة ، كما يظهر بالتأمّل. وإن لم يكن مبنيّا على ما ذكر فلا وجه لدعوى قبح التوقّف عن الترجيح كما عرفت.
ويمكن أن يكون مراد المجيب بمنع وجوب الترجيح منعه لأجل عدم وجوب الإفتاء في مورد تعذّر فيه العلم ، ولو كان ذلك في مسألة واحدة ، لا لأجل عدم ثبوت مقدّمات الانسداد ، بأن يقال : إنّ قبح ترجيح المرجوح على الراجح على تقدير العمل بالوهم إنّما يلزم لو ثبت وجوب الإفتاء في مورد تعذّر فيه العلم ، ولم يثبت وجوبه ، لمخالفة الأخباريّين فيه ، لإيجابهم التوقّف والاحتياط حينئذ ، ولا ريب أنّه مع التوقّف وعدم الإفتاء لا يجب العمل بالظنّ حتّى يقال إنّه لو لم يجب لزم العمل بالوهم ، وهو يستلزم ترجيح المرجوح على الراجح.
ولكن يرد عليه حينئذ أوّلا : أنّ مخالفة الأخباريّين للمجتهدين في وجوب الإفتاء إنّما هي بحسب الصغرى ، لأنّهم إنّما أوجبوا التوقّف والاحتياط فيما تعذّر فيه العلم ، لزعمهم انفتاح باب العلم في أغلب الأحكام لأجل الأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعيّة ، وإلّا فلا مخالفة لهم في وجوب الإفتاء على طبق الظنّ على تقدير عدم قطعيّة الأخبار ، فمخالفتهم غير قادحة في دعوى الإجماع على وجوب الإفتاء في محلّ الفرض ، بعد انكشاف فساد ما توهّموه من قطعيّة أكثر