.................................................................................................
______________________________________________________
الذي اشتبه حكمه ـ كشرب التتن ودعاء رؤية الهلال ـ موقوف على العلم بكون هذا الموضوع الكلّي بعنوانه الكلّي موضوعا للحكم الواقعي المحتمل ، وهو موقوف على العلم بهذا الحكم في الواقع.
وأمّا ما لم يستقلّ به العقل ، ولم يرد عليه أمر أو نهي من الشارع ، فلا دليل على اتّصافه بالحسن أو القبح ، إذ المتيقّن من حكمهم بكون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد هو ذلك. ويشهد به إجماعهم على صحّة الصلاة في الدار المغصوبة من الجاهل بالموضوع ، إذ لو لم يكن حسن الأشياء وقبحها مشروطين بالعلم بعنوان المأمور به والمنهيّ عنه ، لكان المتعيّن هو الحكم ببطلان الصلاة ، إذ كما أنّ الأمر لا يجتمع مع النهي في موضوع واحد ، كذلك حسن الفعل وقبحه. مضافا إلى أنّ المصالح والمفاسد الواقعيّين لو كانتا علّتين واقعيّتين للحسن والقبح الفعليّين المستتبعين للأمر والنهي المنجّزين ، لزم منه وجوب الاحتياط في موارد الشبهة البدويّة دفعا للضرر المحتمل ، إذ المصلحة والمفسدة تابعتان لنفس الفعل في الواقع من دون مدخليّة للعلم والجهل فيهما ، نظير المضارّ الدنيويّة ، فحيث تحتمل المفسدة يجب دفعها. ومجرّد قبح الخطاب بلا بيان لا يدفع هذا الاحتمال ، لفرض كونها تابعة لنفس الفعل لا لخطاب الشارع ، بخلاف احتمال العقاب ، لكونه مترتّبا على خطابه لا على نفس الفعل. فالقول بأصالة البراءة في الشبهات البدويّة لا يتمّ إلّا على القول بكون المصالح والمفاسد الواقعيّين من قبيل مقتضيات الحسن والقبح الفعليّين لا من عللهما التامّة ، فلا يجب دفع مثل هذه المفاسد وإن كانت مظنونة أيضا ، لفرض عدم كونها مفسدة فعليّة وإن صلحت لذلك.
فإن قلت : إنّه إذا لم يجب دفع المفسدة المظنونة ، وجاز العمل بأصالة البراءة في موردها ، لزم منه إفحام الأنبياء عليهمالسلام ، إذ مدّعي النّبوّة لو دعا الناس إلى النظر إلى معجزته لا يجب عليهم على ما ذكرت النظر إلى معجزته ، عملا بأصالة البراءة عن وجوب النظر ، إذ غاية ما يلزم من ترك النظر هو احتمال المفسدة في تركه ، والفرض عدم استقلال العقل بوجوب دفع المظنونة منها فضلا عن المشكوك فيها.