.................................................................................................
______________________________________________________
الظنّ إنّما هو بعد القول باعتبار الأصل قطعا أو ظنّا في مقابل الظنّ. وبعبارة اخرى : أنّ البحث في مسألة البراءة إنّما هو عن أصل اعتبارها بقاعدة قبح التكليف بلا بيان أو الإجماع أو الأخبار ، والاستكشاف المذكور إنّما هو بعد الفراغ عن اعتبارها ، وليست مسألة البراءة محلّا للبحث عن ذلك ، إذ المحلّ لذلك هي مسألة الإجزاء ، إذ يقال هناك : إنّه بعد ما ثبت عقلا أو شرعا عدم تنجّز التكليف بالواقع في مورد البراءة كشف ذلك عن وجود مصلحة في العمل بها. وما نسب إلى المشهور من قولهم بالإجزاء في العمل بالطرق الظاهريّة ربّما يومئ إلى التزامهم بوجود المصلحة فيها.
ثمّ إنّه يمكن أن يقال : إنّ السرّ في عملهم بأصالة البراءة في موارد الظنّ غير المعتبر ، مع كون الأحكام عندهم ناشئة من المصالح والمفاسد الكامنتين في الأشياء ، إنّ حسن الأشياء وقبحها موقوفان على العلم بها ، بمعنى أنّ المصالح والمفاسد مقتضيان للحسن والقبح ، ومع العلم بهذه الأشياء بعنوانها الذي حكم العقل أو الشرع بها بهذا العنوان تتّصف هذه الأشياء بالحسن والقبح الفعليّين. فالظلم مثلا إنّما يتّصف بالقبح عند العقل بعد العلم بكونه ظلما ، وكذا اتّصاف الإحسان بالحسن وهكذا ، وكذلك العناوين الشرعيّة.
وبالجملة ، إنّ ما يستقلّ بحكمه العقل إنّما يتّصف بالحسن والقبح بعد العلم بعنوانه تفصيلا كما عرفت. وما لا يستقلّ بحكمه العقل إنّما يتّصف بأحدهما بعد العلم ـ ولو إجمالا ـ بكونه معنونا بعنوان الموضوع الواقعي المقتضي لثبوت الحكم في الواقع ، أو يكون الفعل بعنوانه المعلوم موضوعا للحكم الواقعي ، وإن كان الاستكشاف عنه بالعلم بأمر الشارع به. وذلك لأنّ الشبهة في مورد البراءة إن كانت موضوعيّة ، فاتّصاف الموضوع المشتبه بالحسن أو القبح الفعليّين موقوف على العلم باتّصافه بعنوان موضوع الحكم الواقعي ، مثل أنّ اتّصاف المائع المردّد بين الخمر والخلّ بالقبح الفعلي ـ على تقدير كونه خمرا في الواقع ـ موقوف على العلم باتّصافه بالخمريّة في الواقع. وإن كانت حكميّة فاتّصاف الموضوع الكلّي