إنّ الضرر وإن كان مظنونا ، إلّا أنّ حكم الشارع قطعا أو ظنّا بالرجوع في مورد الظنّ إلى البراءة والاستصحاب وترخيصه لترك مراعاة الظنّ أوجب القطع أو الظنّ بتدارك ذلك الضرر المظنون ؛ وإلّا كان ترخيص العمل على الأصل المخالف للظنّ إلغاء للمفسدة.
توضيح ذلك : أنّه لا إشكال في أنّه متى ظنّ بوجوب شيء وأنّ الشارع الحكيم طلب فعله منّا طلبا حتميّا منجّزا لا يرضى بتركه إلّا أنّه اختفى علينا ذلك الطلب ، أو حرّم علينا فعلا كذلك ، فالعقل مستقلّ بوجوب فعل الأوّل وترك الثاني ؛ لأنّه يظنّ في ترك الأوّل الوقوع في مفسدة ترك الواجب المطلق الواقعي والمحبوب المنجّز النفس الأمري ، ويظنّ في فعل الثاني الوقوع في مفسدة الحرام الواقعي والمبغوض النفس الأمري إلّا أنّه لو صرّح الشارع بالرخصة في ترك العمل في هذه الصورة كشف ذلك عن مصلحة يتدارك بها ذلك الضرر المظنون ؛ ولذا وقع الإجماع على عدم وجوب مراعاة الظنّ بالوجوب و (*) الحرمة إذا حصل الظنّ من القياس ، وعلى جواز
______________________________________________________
قلت أوّلا : إنّ حكم العقل بوجوب النظر هنا إنّما هو لأجل قيام احتمال العقاب في المخالفة ، وأصالة البراءة لا ترفع هذا الاحتمال ، لأنّ العقل إنّما يستقلّ بقبح العقاب من دون بيان فيما أمكن فيه البيان من الشارع ، وبيان وجوب النظر هنا غير ممكن من مدّعي النبوّة ، لتوقّفه على ثبوت نبوّته ، والفرض عدم ثبوته بعد ، بخلاف ما نحن فيه ، لكون احتمال العقاب فيه مندفعا بأصالة البراءة ، والمفسدة المظنونة في المخالفة غير واجبة الدفع.
وثانيا : إنّ العمل بأصالة البراءة مشروط بالفحص ، فنفي وجوب النظر بها موقوف على الفحص عنه ، وهو لا يتمّ إلّا بالنظر ، لانحصار طريق الفحص عنه فيه كما هو واضح. ثمّ إنّ هنا وجوها أخر في الجواب عن دليل وجوب دفع المفسدة المظنونة ، يطول الكلام بذكرها وذكر ما فيها.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «و» ، أو.