ويردّ عليه : أنّ الظنّ بثبوت مقتضي المفسدة (٦٧٢) مع الشكّ في وجود المانع كاف في وجوب الدفع ، كما في صورة القطع بثبوت المقتضي مع الشكّ في وجود المانع ؛ فإنّ احتمال وجود المانع للضرر أو وجود ما يتدارك الضرر لا يعتنى به عند العقلاء ، سواء جامع الظنّ بوجود مقتضي الضرر أم القطع به ، بل أكثر موارد التزام العقلاء التحرّز عن المضارّ المظنونة ـ كسلوك الطرق المخوفة وشرب الأدوية المخوفة ونحو ذلك ـ من موارد الظنّ بمقتضى الضرر دون العلّة التامّة له ، بل المدار في جميع غايات حركات الإنسان ـ من المنافع المقصود جلبها والمضار المقصود دفعها ـ على المقتضيات دون العلل التامّة ؛ لأنّ الموانع والمزاحمات ممّا لا تحصى ولا يحاط بها.
وأضعف من هذا الجواب ما يقال : إنّ في نهي الشارع عن العمل بالظنّ ـ كلّية إلّا ما خرج ـ ترخيصا في ترك مراعاة الضرر المظنون ، ولذا لا يجب مراعاته إجماعا في القياس.
ووجه الضعف (٦٧٣) ما ثبت سابقا : من أنّ عمومات حرمة العمل بالظنّ أو بما عدا العلم إنّما تدلّ على حرمته من حيث إنّه لا يغني عن الواقع ، ولا تدلّ على
______________________________________________________
لتسليم المصنّف رحمهالله لظاهر الجواب ، كما هو ظاهر إيراده عليه بكون الظنّ بالمقتضي كالظنّ بالعلّة التامّة عند العقلاء.
ثمّ إنّ ظاهر منع الصغرى هو تسليم وجوب دفع الضرر المظنون ، أعني : المفسدة المظنونة ، وهو كذلك بحكم العقل والعقلاء ، لبنائهم على التحرّز عن مظانّ الضرر ، إلّا أنّه يرد عليه أنّ حكم العقل والعقلاء بوجوب دفع الضرر المظنون إرشادي ، فلا يترتّب عليه سوى ما يترتّب على نفس الواقع ، فغاية ما يترتّب على مخالفة هذا الحكم هو ترتّب المفسدة الواقعيّة لو كانت موجودة في الواقع ، لا الحرمة الشرعيّة كما هو المقصود من إثبات حجّية الظنّ. والتمسّك في ذلك بالأدلّة الشرعيّة مثل قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ونحوها يخرج الدليل من كونه عقليّا مع إمكان كونها للإرشاد أيضا.
٦٧٢. المقتضى على صيغة المفعول ، وهي الحرمة.
٦٧٣. لا يخفى أنّ حرمة العمل بالظنّ إمّا لما ذكره من عدم إغنائه عن الواقع ،