ويردّه : أنّه لا يكفي المستدلّ منع استقلال العقل وعدم ثبوت الإجماع بل لا بدّ له من إثبات أنّ مجرّد الوجوب والتحريم الواقعيّين مستلزمان للعقاب حتّى يكون الظنّ بهما ظنّا به ، فإذا لم يثبت ذلك بشرع ولا عقل لم يكن العقاب مظنونا ، فالصغرى غير ثابتة.
ومنه يعلم فساد ما ربما يتوّهم أنّ قاعدة دفع الضرر يكفي للدليل على ثبوت الاستحقاق. وجه الفساد أنّ هذه القاعدة موقوفة على ثبوت الصغرى وهي الظنّ بالعقاب.
______________________________________________________
وفيه نظر ، لأنّ الشكّ في التكليف ابتداء لا يوجب الاحتياط عند الاصوليّين ـ بل عند الأخباريّين أيضا ـ إذا كانت الشبهة وجوبيّة ، لكون المرجع في الشبهات البدويّة عندهم هي البراءة دون الاحتياط ، وإن اختلف الاصوليّون في كون ذلك من جهة العقل أو الشرع أو بناء العقلاء ، لأنّ جماعة منهم قد ادّعوا حكم العقل بقبح التكليف بلا بيان ، وعدم اقتناعه بالضرر المحتمل في مقام إلزامه بالاحتياط الذي هو بيان إجمالي من قبل العقل للجاهل بالحكم الواقعي. وبعضهم قد سلّم حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل الذي مقتضاه وجوب الاحتياط في الشبهات البدويّة ، إلّا أنّه ادّعى ورود الشرع على البناء على البراءة عند الشكّ في التكليف. وهذا المسلك سلكه الشيخ في العدّة ، حيث أفاد أنّ الأصل في الأشياء هو الحظر ، وأنّ البناء على البراءة للأدلّة النقليّة. وبعض آخر سلّم أيضا حكم العقل بوجوب التحرّز عن الضرر المحتمل ، إلّا أنّه ادّعى بناء العقلاء على خلافه. وهذا ممّا سلكه شريف العلماء. وسيجيء تفصيل الكلام في محلّه إن شاء الله تعالى.
وعلى كلّ تقدير ، فبناء الاصوليّين على اختلاف مشاربهم ـ بل الأخباريّين أيضا في الجملة ـ في الشبهات البدويّة على البراءة. ومن الواضحات عندهم كون الظنّ بالحكم عندهم كالشكّ فيه ما لم يقم دليل على اعتباره ، وعدم كفاية استلزام الظنّ بالحكم للظنّ بالضرر في ذلك ، كيف وقد تقدّم عند الاعتراض على ما أجاب به الحاجبي عن دليل وجوب دفع الضرر المظنون تقوية المصنّف رحمهالله