فالأولى أن يجاب (٦٦٧) عن هذا الدليل : بأنّه إن اريد من الضرر المظنون
______________________________________________________
٦٦٧. لا يذهب عليك أنّ الأولى في الجواب أن يردّد الكلام بين امور ، بأن يقال : إنّ الاستدلال بدليل دفع الضرر المظنون إمّا مع ضمّ مقدمات دليل الانسداد المعروف إليه ، أو بدونها. وعلى الثاني فإمّا أن يراد بالضرر المظنون العقاب الاخروي ، أو المفسدة المظنونة. فعلى الأوّل يئول الدليل إلى قولنا : إنّ التكليف بالأحكام الواقعيّة ثابت ، وسبيل العلم إليها منسدّ ، ومخالفة المجتهد لما ظنّه من الوجوب والحرمة مظنّة للضرر ، ودفع الضرر للمظنون واجب ، فالعمل بما ظنّه واجب.
وحينئذ نقول : إنّ مرجع هذا الدليل إلى دليل الانسداد المعروف ، فلا وجه للجمع بينهما وإفراد كلّ منهما بالذكر في كلام جماعة ، إلّا أن يقال : إنّ هنا أدلّة ثلاثة : أحدها قاعدة الضرر المعبّر عنها بوجوب دفع الضرر المظنون. وثانيها : قاعدة ترجيح المرجوح. وثالثها : دليل الانسداد المعروف. واختلاف هذه الأدلّة إنّما هو بحسب الاعتبار ولحاظ المستدلّ. فنظره في الأوّل إلى كون الظنّ موافقا للاحتياط ، لكون ما ظنّه المجتهد من الوجوب والحرمة مظنة للضرر ، وفي الثاني إلى كون الظنّ أقرب إلى العلم الذي هو الطريق إلى الواقع. وفي الثالث إلى كون المظنون أقرب إلى الواقع. وهذه الأدلّة وإن توقّفت على إحراز مقدّمات دليل الانسداد المعروف ، إلّا أنّ اختلافها إنّما هو بالاعتبار على الوجه المذكور.
فيقال في تقريرها حينئذ : إنّ التكليف بالأحكام الواقعيّة باق ، وسبيل العلم إليها منسدّ غالبا. وحينئذ إمّا أن نقول : إنّ مخالفة المجتهد لما ظنّه مظنّة للضرر ، ودفع الضرر المظنون واجب. أو نقول : إنّ عمل المجتهد بخلاف ما ظنّه ترجيح للمرجوح ، وهو قبيح. أو نقول : إنّ ما ظنّه المجتهد أقرب إلى الواقع ، فتعيّن الأخذ به في حكم العقل. وعدم إشارتهم إلى مقدّمات دليل الانسداد المعروف عند تقرير الدليلين الأوّلين لعلّه للإحالة إلى ما ذكروه عند تقرير دليل الانسداد ، فافهم ذلك ، لأنّي لم أجد من تنبّه على ما ذكرناه فيما أعلم.