يُحَذِّرُكُمُ (٦٥٧) اللهُ نَفْسَهُ) ، وقوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ (٦٥٨) مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) (٤) إلى غير ذلك. نعم ، التمسّك في سند الكبرى بالأدلّة الشرعيّة يخرج الدليل المذكور عن الأدلّة العقليّة ، لكنّ الظاهر أنّ مراد الحاجبيّ منع أصل الكبرى ، لا مجرّد منع استقلال العقل بلزومه ، ولا يبعد عن الحاجبيّ أن يشتبه عليه حكم العقل الإلزامي بغيره ، بعد أن اشتبه عليه أصل حكم العقل بالحسن والقبح ، والمكابرة في الأوّل ليس بأعظم منها في الثاني.
ثانيها : ما يظهر من العدّة (٥) (٦٥٩) والغنية وغيرهما من أنّ الحكم المذكور مختصّ بالامور الدنيويّة ، فلا يجري في الاخرويّة مثل العقاب.
وهذا كسابقه في الضعف ؛ فإنّ المعيار هو التضرّر ، مع أنّ المضارّ الاخرويّة أعظم ، اللهمّ إلّا أن يريد (٦٦٠) المجيب ما سيجيء من أنّ العقاب مأمون على ما لم ينصب الشارع دليلا على التكليف به ، بخلاف المضارّ الدنيويّة التابعة لنفس الفعل أو الترك ، علم حرمته أو لم يعلم ، أو يريد (٦٦١) أنّ المضارّ الغير الدنيويّة ـ وإن لم تكن خصوص العقاب ـ ممّا دلّ العقل والنقل على وجوب إعلامها على الحكيم ،
______________________________________________________
٦٥٧. أي : يخوّفكم أن يغضب عليكم ، فيجب الاحتراز عن كلّ ما يوجب غضبه.
٦٥٨. فإنّ مخالفة الضرر المظنون ليس فيها أمن ، فيجب تركها.
٦٥٩. هذا الجواب بظاهره يرجع إلى منع كلّية الكبرى. وهذا لمّا كان بظاهره واضح الفساد فوجّهه المصنّف رحمهالله بوجهين ، يرجع حاصلهما إلى منع الصغرى في الجملة. وربّما يقال إنّهما ـ مع مخالفتهما لظاهر كلام العدّة والغنية ـ إنّما يتمّان في الشبهات البدويّة دون المشوبة بالعلم الإجمالي كما فيما نحن فيه ، لفرض علمنا إجمالا ببقاء التكاليف. وفيه : أنّ هذا الدليل مفروض مع قطع النظر عن الانسداد ، وهو واضح.
٦٦٠. حاصله : كون العقاب المحتمل أو المظنون مأمونا بأصالة البراءة.
٦٦١. مبنى الأوّل على قبح العقاب بلا بيان ، ومبنى الثاني على وجوب