المنعم الذي هو مبنى وجوب معرفة الله تعالى ، ولولاه (٦٥١) لم يثبت وجوب النظر في المعجزة ، ولم يكن لله على غير الناظر حجّة ؛ ولذا خصّوا النزاع في الحظر والإباحة في غير المستقلّات العقليّة بما كان مشتملا على منفعة وخاليا عن أمارة المفسدة ؛ فإنّ هذا التقييد يكشف عن أنّ ما فيه أمارة المضرّة لا نزاع في قبحه ، بل الأقوى كما صرّح به الشيخ في العدّة في مسألة الإباحة والحظر والسيّد في الغنية : وجوب دفع الضرر المحتمل ، وببالي (٦٥٢) أنّه تمسّك في العدّة بعد العقل بقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ...).
ثمّ إنّ ما ذكره من ابتناء الكبرى على التحسين والتقبيح العقليّين غير ظاهر ؛ لأنّ تحريم تعريض النفس للمهالك والمضارّ الدنيويّة والاخرويّة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنّة ، مثل التعليل (٦٥٣) في آية النبأ ، وقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا (٦٥٤) بِأَيْدِيكُمْ
______________________________________________________
معرفته تعالى ، لأنّه مع عدمها يظنّ بالوقوع في الخطأ في كيفيّة شكره ، وهو مظنة الضرر ، فيجب دفعه.
٦٥١. لأنّ مدّعي النبوّة إمّا مظنون الصدق في دعواه أو محتمل فيه ذلك ، فترك النظر في معجزته يستلزم الضرر على سبيل الظنّ على الأوّل ، وعلى سبيل الاحتمال على الثاني ، فلو لم يجب دفع الضرر المظنون على الأوّل وكذا المحتمل على الثاني يلزم إفحام الأنبياء.
فإن قلت : إنّ الشكّ في وجوب النظر شكّ بدوي ، فهو مورد البراءة.
قلت : إنّ مبني البراءة حيث كان على قبح التكليف بلا بيان يختصّ موردها بما يمكن البيان فيه من الشارع ، ومسألة النبوّة ليست كذلك ، لعدم إمكان البيان من مدّعي النبوّة ، وعدم جريان عادته سبحانه على إبلاغها بإلهام أو إرسال ملك ، فلو بني على إجراء أصالة البراءة لزم إفحام الأنبياء.
٦٥٢. الأنسب أن يورد هذا الكلام بعد قوله : «ممّا دلّ عليه الكتاب والسنّة».
٦٥٣. لأنّ في ارتكاب الضرر المظنون مخافة الوقوع في الندم لا محالة.
٦٥٤. في أواسط سورة البقرة. والاستدلال به مبنيّ على كون ظاهره النهي