فلنشرع في الأدلّة التي أقاموها على حجّية الظنّ من غير خصوصيّة للخبر يقتضيها نفس الدليل وإن اقتضاها أمر (*) آخر ، وهو كون الخبر مطلقا أو خصوص قسم منه متيقّن الثبوت من ذلك الدليل إذا فرض أنّه لا يثبت إلّا الظنّ في الجملة ولا يثبته كلّية ، وهي أربعة : الأوّل : أنّ في مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنّة للضرر ، ودفع الضرر المظنون لازم. أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الظنّ بالوجوب ظنّ باستحقاق العقاب على الترك ، كما أنّ الظنّ بالحرمة ظنّ باستحقاق العقاب على الفعل ، أو لأنّ الظنّ بالوجوب ظنّ بوجود المفسدة في الترك ، كما أنّ الظنّ بالحرمة ظنّ بالمفسدة في الفعل بناء على قول «العدليّة» (٦٤٩) بتبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، وقد جعل في النهاية كلّا من الضررين دليلا مستقلا على المطلب.
واجيب عنه بوجوه : أحدها : ما عن الحاجبي (١) وتبعه غيره من منع الكبرى ، وأنّ دفع الضرر المظنون إذا قلنا بالتحسين والتقبيح العقليّين احتياط مستحسن ، لا واجب.
وهو فاسد ؛ لأنّ الحكم المذكور حكم إلزامي أطبق العقلاء على الالتزام به في جميع امورهم وذمّ من خالفه ؛ ولذا استدلّ به المتكلّمون (٦٥٠) في وجوب شكر
______________________________________________________
٦٤٩. أمّا على قول الأشاعرة المنكرين لما ذكره العدليّة فينحصر إثبات الصغرى في الوجه الأوّل. وحيث كان إثبات الكبرى واضحا لم يتعرّض للكلام فيها ، لأنّ العقلاء يفرّون من مظانّ الضرر فرارهم من الأسد. وعليه بنوا ما سيشير إليه المصنّف رحمهالله من إثبات وجوب معرفة الصانع المتوقّف على وجوب شكر المنعم ، كما سنشير إليه ، وكذا وجوب النظر إلى المعجزة ، وغير ذلك ممّا أشار إليه المصنّف رحمهالله ، لأنّ ذلك كلّه شواهد لإثبات الكبرى.
٦٥٠. بتقريب : أنّ في ترك الشكر مظنّة قطع المنعم بعض نعمه أو احتمال ذلك ، فإذا ثبت وجوب الشكر لأجل دفع الضرر المظنون أو المحتمل ثبت وجوب
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «أمر» ، دليل.