والإنصاف : أنّ الدالّ منها لم يدلّ إلّا على وجوب العمل بما يفيد الوثوق والاطمئنان بمؤدّاه ، وهو الذي فسّر به الصحيح في مصطلح القدماء ، والمعيار فيه أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا بحيث لا يعتني به العقلاء ولا يكون عندهم موجبا للتحيّر والتردّد الذي لا ينافي حصول مسمّى الرجحان ، كما نشاهد في الظنون الحاصلة بعد التروّي في شكوك الصلاة ، فافهم. وليكن على ذكر منك ؛ لينفعك فيما بعد.
______________________________________________________
حكم العقل إلى تشخيص ما هو صادر عنهم عليهمالسلام. ولا ريب أنّ مقتضى العلم الإجمالي المذكور هو العمل بالأخبار بمقدار يرتفع معه العلم الإجمالي ، وهو يحصل بالعمل بالأخبار الموثوق بالصدور ، لكثرة هذا القسم من الأخبار بحيث لا يبقى العلم الإجمالي بعد العمل بها.
وأمّا الثاني فإنّ بنائه في بادئ النظر وإن كان على مقدّمتين : إحداهما : العلم إجمالا بثبوت التكليف بالاصول الضروريّة ، مثل الصلاة والصوم والحجّ ونحوها. والاخرى : عدم معرفة هذه الاصول على نحو ما هو المطلوب في الواقع إلا بالرجوع إلى الأخبار المودعة في الكتب المعتبرة في معرفة أجزائها وشرائطها وموانعها ، بحيث لو اقتصر في معرفة هذه الاصول على ما هو المعلوم من أجزائها وشرائطها وموانعها تخرج من كونها هذه الاصول. ونتيجة المقدّمتين وجوب العمل بكلّ خبر وارد في بيان ماهيّاتها وأجزائها وشرائطها وموانعها ، تحصيلا للموافقة القطعيّة لما هو المعلوم من الأمر المجمل.
إلّا أنّ التأمّل الصادق في كلام الفاضل التوني يعطي خلاف ذلك ، لأنّه حيث أقحم لفظ الأنكحة والبيوع في الاصول الضرورة ، علم أنّ مراده إثبات جواز العمل بالأخبار ، لأجل العلم الإجمالي بوجود الأخبار الصادرة عن الأئمّة عليهمالسلام في جملة الأخبار المودعة في الكتب المعتبرة ، لا من جهة محض العلم الإجمالي بثبوت التكليف بأمر مجمل موقوفة معرفة تفصيله على الرجوع إلى تلك الأخبار ، لأنّ ألفاظ الأنكحة والبيوع ليست كألفاظ العبادات مجملة من جهة وضعها للصحيحة على القول به ، لأنّها مطلقات يجب الاقتصار في تقييدها على مقدار يرتفع به العلم