على هذا المطلب.
ويردّ عليه : أنّ هذا الدليل بظاهره عبارة اخرى عن دليل الانسداد الذي ذكروه لحجّية الظنّ في الجملة أو مطلقا ؛ وذلك لأنّ المراد بالسنّة هو قول الحجّة أو فعله أو تقريره ، فإذا وجب علينا الرجوع إلى مدلول الكتاب والسنّة ولم نتمكّن من الرجوع إلى ما علم أنّه مدلول الكتاب أو السنّة ، تعيّن الرجوع ـ باعتراف المستدلّ ـ إلى ما يظنّ كونه مدلولا لأحدهما ، فإذا ظنّنا أنّ مؤدّى الشهرة أو معقد الإجماع المنقول مدلول للكتاب أو لقول الحجّة أو فعله أو تقريره ، وجب الأخذ به ، ولا اختصاص للحجّية بما يظنّ كونه مدلولا لأحد هذه الثلاثة من جهة حكاية أحدها التي تسمّى خبرا وحديثا في الاصطلاح.
نعم ، يخرج عن مقتضى هذا الدليل : الظنّ الحاصل بحكم الله من أمارة لا يظنّ كونه مدلولا لأحد الثلاثة ، كما إذا ظنّ بالأولويّة العقليّة أو الاستقراء أنّ الحكم كذا عند الله ولم يظنّ بصدوره عن الحجّة ، أو قطعنا بعدم صدوره عنه عليهالسلام ؛ إذ ربّ حكم واقعيّ لم يصدر عنهم وبقي مخزونا عندهم لمصلحة من المصالح ، لكن هذا نادر جدّا ؛ للعلم العادي بأنّ هذه المسائل العامّة البلوى قد صدر حكمها في الكتاب أو ببيان الحجّة قولا أو فعلا أو تقريرا ، فكلّ ما ظنّ من أمارة بحكم الله تعالى فقد ظنّ بصدور ذلك الحكم عنهم.
والحاصل : أنّ مطلق الظنّ بحكم الله ظنّ بالكتاب أو السنّة ، ويدلّ على اعتباره ما دلّ على اعتبار الكتاب والسنّة الظنّية.
فإن قلت : المراد بالسنّة الأخبار والأحاديث ، والمراد أنّه يجب الرجوع إلى الأخبار المحكيّة عنهم ، فإن تمكّن من الرجوع إليها على وجه يفيد العلم فهو ، وإلّا وجب الرجوع إليها على وجه يظنّ منه بالحكم.
قلت : مع أنّ السنّة في الاصطلاح عبارة عن نفس قول الحجّة أو فعله أو تقريره لا حكاية أحدها ، يرد عليه : أنّ الأمر بالعمل بالأخبار المحكيّة المفيدة للقطع بصدورها ثابت بما دلّ على الرجوع إلى قول الحجّة ، وهو الإجماع والضرورة الثابتة من الدين أو المذهب. وأمّا الرجوع إلى الأخبار المحكيّة التي لا تفيد القطع بصدورها عن الحجّة ،