وكانوا يتوقّفون في روايات من كان على الحقّ فعدل عنه وإن كانت كتبه ورواياته حال الاستقامة ، حتّى أذن لهم الإمام عليهالسلام أو نائبه ، كما سألوا العسكري عليهالسلام عن كتب بني فضّال ، وقالوا : إنّ بيوتنا منها ملاء ، فأذن عليهالسلام لهم. وسألوا الشيخ أبا القاسم بن روح عن كتب ابن أبي عزاقر (٦٢٧) التي صنّفها قبل الارتداد عن مذهب الشيعة ، حتّى أذن لهم الشيخ في العمل بها. والحاصل : أنّ الأمارات الكاشفة عن اهتمام أصحابنا في تنقيح الأخبار في الأزمنة المتأخّرة عن زمان الرضا عليهالسلام أكثر من أن تحصى ويظهر للمتتبّع.
والداعي إلى شدّة الاهتمام ـ مضافا إلى كون تلك الروايات أساس الدين وبها قوام شريعة سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله ، ولذا قال الإمام عليهالسلام في شأن جماعة من الرواة : «لو لا هؤلاء لاندرست آثار النبوّة» وأنّ الناس لا يرضون بنقل ما لا يوثق به في كتبهم المؤلّفة في التواريخ التي لا يترتّب على وقوع الكذب فيها أثر ديني بل ولا دنيوي ، فكيف في كتبهم المؤلّفة لرجوع من يأتي إليها في امور الدين على ما أخبرهم الإمام عليهالسلام ب «أنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلّا بكتبهم» ، وعلى ما ذكره الكلينيّ قدسسره في ديباجة الكافي : من كون كتابه مرجعا لجميع من يأتي بعد ذلك ـ : ما تنبّهوا له ونبّههم عليه الأئمّة عليهمالسلام : من أنّ الكذّابة كانوا يدسّون الأخبار المكذوبة في كتب أصحاب الأئمّة عليهمالسلام ، كما يظهر من الروايات الكثيرة : منها : أنّه عرض يونس بن عبد الرحمن على سيّدنا أبي الحسن الرضا عليهالسلام كتب جماعة من أصحاب الباقر والصادق عليهماالسلام ، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله عليهالسلام ، و
______________________________________________________
٦٢٧. بالعين المهملة والزاء والقاف والراء أخيرا كما في الخلاصة. وهو محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي عزاقر ، كان متقدّما في أصحابنا ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك ذهب والدخول في المذاهب الرديّة ، حتّى خرجت فيه توقيعات ، وأخذه السلطان وقتله وصلبه ببغداد. وله من الكتب التي عملها في حال الاستقامة كتاب التكليف ، رواه المفيد رحمهالله إلّا حديثا منه في باب الشهادات أنّه يجوز للرجل أن يشهد لأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علمه.