فانظر : كيف احتاطوا في الرواية عمّن لم يسمع من الثقات وإنّما وجد في الكتب. وكفاك شاهدا أنّ عليّ بن الحسن بن فضّال لم يرو كتب أبيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه ، وإنّما يرويها عن أخويه أحمد ومحمّد عن أبيه ، واعتذر عن ذلك بأنّه يوم مقابلته الحديث مع أبيه كان صغير السنّ ، ليس له كثير معرفة بالروايات ، فقرأها على أخويه ثانيا.
والحاصل (٦٢٥) : أنّ الظاهر انحصار مدارهم على إيداع ما سمعوه من صاحب الكتاب أو ممّن سمعه منه ، فلم يكونوا يودعون إلّا ما سمعوا ولو بوسائط من صاحب الكتاب ولو كان معلوم الانتساب ، مع اطمئنانهم بالوسائط وشدّة وثوقهم بهم.
حتّى أنّه ربما كانوا يتبعونهم في تصحيح الحديث وردّه ، كما اتّفق للصدوق بالنسبة إلى شيخه ابن الوليد قدس سرّهما.
وربما كانوا لا يثقون (٦٢٦) بمن يوجد فيه قدح بعيد المدخليّة في الصدق ؛ ولذا حكي عن جماعة منهم : التحرّز عن الرواية عمّن يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وإن كان ثقة في نفسه ، كما اتّفق بالنسبة إلى البرقيّ ، بل يتحرّزون عن الرواية عمّن يعمل بالقياس ، مع أنّ عمله لا دخل له بروايته ، كما اتّفق بالنسبة إلى الإسكافيّ ؛ حيث ذكر في ترجمته : أنّه كان يرى القياس ، فترك رواياته لأجل ذلك (٣).
______________________________________________________
أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلّ يقول : حدّثني جعفر بن محمّد عليهماالسلام.
٦٢٥. ممّا يدلّ على اهتمامهم وعنايتهم على نقل الأخبار ما ذكر في ترجمة محمّد بن مسعود بن محمّد العيّاشي من أنّه أنفق على العلم والحديث تركة أبيه سائرها ، وكانت ثلاثمائة ألف دينار ، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ ومقابل وقار مملوءة من الناس.
٦٢٦. ممّا خرج هذا المخرج ما حكي عن سعد بن عبد الله أنّه كان لا يروي من أخبار إبراهيم بن عبد الحميد من جهة لقائه مولانا الرضا عليهالسلام وعدم روايته عنه عليهالسلام. فانظر كيف احتاط بترك أخبار إبراهيم بمجرّد احتمال فساد عقيدته ، من جهة عدم نقله الرواية عن الرضا عليهالسلام المنبئ عن وقفه على الكاظم عليهالسلام.