أجلهما مركوزا في ذهن
العقلاء ؛ لأنّ حرمة التشريع ثابت عندهم ، والاصول العمليّة واللفظيّة معتبرة
عندهم مع عدم الدليل على الخلاف ، ومع ذلك نجد بنائهم على العمل بالخبر الموجب
للاطمئنان.
والسّر في ذلك عدم جريان الوجهين
المذكورين بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بالخبر ؛ لانتفاء تحقّق التشريع مع
بنائهم على سلوكه في مقام الإطاعة والمعصية ؛ فإنّ الملتزم بفعل ما أخبر الثقة
بوجوبه وترك ما أخبر بحرمته لا يعدّ مشرّعا (٦١٢) ، بل لا يشكّون في كونه مطيعا ؛
ولذا يعوّلون عليه في أوامرهم العرفيّة من الموالي إلى العبيد ، مع أنّ قبح
التشريع عند العقلاء لا يختصّ بالأحكام الشرعيّة.
وأمّا الاصول المقابلة للخبر ، فلا دليل
على جريانها في مقابل خبر الثقة ؛ لأنّ الاصول التي مدركها حكم العقل ـ لا الأخبار
؛ لقصورها عن إفادة اعتبارها ـ كالبراءة (٦١٣) والاحتياط والتخيير ، لا إشكال في
عدم جريانها في مقابل خبر الثقة بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به في
أحكامهم العرفيّة ؛ لأنّ نسبة العقل (٦١٤) في حكمه بالعمل بالاصول المذكورة إلى
الأحكام الشرعيّة والعرفيّة سواء.
______________________________________________________
٦١٢. الوجه فيه أنّ التشريع هو إدخال ما ليس من الدين فيه بقصد
أنّه منه ، أو ما شكّ في كونه منه فيه بقصد أنّه منه. ولا ريب أنّ كيفيّة امتثال
الأحكام الشرعيّة موكولة إلى العرف ، ومع بناء العقلاء على الاعتماد في امتثالها
بخبر الثقة ، بمعنى اقتناعهم في امتثالها بثبوتها به ، لا يتحقّق موضوع التشريع ،
لفرض حصول امتثال الحكم الشرعيّ بطريق معتبر. ومن هنا يظهر الوجه في قوله : «بل لا
يشكّون».
٦١٣. الإنصاف أنّه لا قصور في أخبار البراءة. فالأولى فيها أن
يقال بورودها في مقام إمضاء حكم العقل لا لتأسيس حكم موافق له ، فتدبّر.
٦١٤. يعني : أنّ حكم العقل بمقتضى الاصول في مواردها بالنسبة
إلى الأحكام العرفيّة والشرعيّة على نهج واحد ، فكما أنّه لا سبيل إلى حكم العقل
بمقتضاها في الأحكام العرفيّة في مقابل خبر الثقة ، كذلك في الأحكام الشرعيّة.