وأمّا الاستصحاب ، فإن اخذ من العقل (٦١٥) فلا إشكال في أنّه لا يفيد الظنّ في المقام ، وان اخذ من الأخبار فغاية الأمر (٦١٦) حصول الوثوق بصدورها دون اليقين. وأمّا الاصول اللفظيّة كالإطلاق والعموم ، فليس بناء أهل اللسان على اعتبارها حتّى في مقام وجود الخبر الموثوق به في مقابلها ، فتأمّل.
______________________________________________________
٦١٥. هذا هو ظاهر المشهور ، ولذا لم يتمسّك أحد من العلماء إلى زمان والد شيخنا البهائي في إثبات اعتبار الاستصحاب بالأخبار. ومن هنا أيضا جعل المحقّق القمّي الاستصحاب مغايرا لقاعدة اليقين. ولمّا كان القول باعتباره من باب العقل ملازما للقول باعتباره من باب الظنّ نوعا أو شخصا ، إذ العقلاء لا يعملون بطريق من دون حصول الظنّ به ، بنى المصنّف رحمهالله عدم اعتبار الاستصحاب في مقابل قول الثقة على عدم حصول الظنّ منه في مقابله ، ولم يتعرّض لعدم اعتباره في مقابله على تقدير اعتباره تعبّدا عقليّا.
٦١٦. حاصله : أنّ العمل بالاستصحاب حينئذ في مقابل خبر الثقة ترجيح بلا مرجّح ، لفرض كون مرجعه إلى العمل بالخبر الموثوق بالصدور.
أقول : لو فرض تواتر أخبار الاستصحاب أمكن الجواب حينئذ بمنع الدليل على جواز العمل بظواهرها في مقابل خبر الثقة ، لأنّ العمل بالظواهر من باب بناء العقلاء وإمضاء طريقتهم من الشارع ، كما يرشد إليه قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ). وهو منتف في مقابل خبر الثقة ، نظير ما ذكره في الاصول اللفظيّة.
ثمّ إنّه ربّما يورد على هذا الوجه من وجوه تقرير الإجماع أوّلا : بأنّ بناء العقلاء على العمل بالأخبار الموثوقة بالصدور في امور معاشهم ومعادهم إنّما هو من حيث إفادتها للوثوق من حيث هو من دون خصوصيّة للخبر ، ولذا يعملون بسائر الأمارات المفيدة للوثوق أيضا ، فيكون الدليل حينئذ أعمّ من المدّعى ، إذ المطلوب في المقام إثبات حجّية الأخبار المفيدة للوثوق بحيث يكون لخصوصيّة السبب مدخل في ذلك.