لهذه الأخبار وبيان أحوالهم من حيث العدالة والفسق ، والموافقة في المذهب والمخالفة ، وبيان من يعتمد على حديثه ومن لا يعتمد ، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه في التصانيف ، وهذه عادتهم من قديم الوقت إلى حديثه ، فلو لا جواز العمل برواية من سلم عن الطعن لم يكن فائدة لذلك كلّه (٣) ، انتهى المقصود من كلامه ، زاد الله في علوّ مقامه.
وقد أتى في الاستدلال على هذا المطلب بما لا مزيد عليه ، حتّى أنّه أشار في جملة كلامه (٥٥٩) إلى دليل الانسداد ، وأنّه لو اقتصر على الأدلّة العلميّة وعمل بأصل البراءة في غيرها ، لزم ما علم ضرورة من الشرع خلافه ، فشكر الله سعيه.
ثمّ إنّ من العجب أنّ غير واحد من المتأخّرين تبعوا صاحب المعالم في دعوى عدم دلالة كلام الشيخ على حجّية الأخبار المجرّدة عن القرينة ، قال في المعالم على ما حكي عنه : والإنصاف أنّه لم يتّضح من حال الشيخ وأمثاله مخالفتهم للسيّد قدسسره ؛ إذ كانت أخبار الأصحاب يومئذ قريبة العهد بزمان لقاء المعصوم عليهالسلام واستفادة الأحكام منه ، وكانت القرائن المعاضدة لها متيسّرة كما أشار إليه السيّد قدسسره ، ولم يعلم أنّهم اعتمدوا على الخبر المجرّد ليظهر مخالفتهم لرأيه فيه. وتفطّن المحقّق من كلام الشيخ لما قلناه ، حيث قال في المعارج : ذهب شيخنا أبو جعفر قدسسره إلى العمل بخبر الواحد العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وإن كان مطلقا فعند التحقيق يتبيّن : أنّه لا يعمل بالخبر مطلقا ، بل بهذه الأخبار التي رويت عن الأئمّة عليهمالسلام ودوّنها الأصحاب ، لا أنّ كلّ
______________________________________________________
٥٥٩. هو ما أشار إليه في آخر كلامه بقوله : «يلزمه أن يترك أكثر الأحكام ...» ، لأنّ عمدة مقدّمات دليل الانسداد هو إثبات الانسداد الأغلبي ، وإثبات عدم جواز الرجوع في الموارد التي انسدّ فيها باب العلم إلى الاصول ، وقد أشار إلى المقدّمتين في كلامه. ثمّ إنّ هذا لا ينافي القول باعتبار الأخبار من باب الظنون الخاصّة كما توهّمه في القوانين ومحكيّ المفاتيح ، كما سيأتي عند بيان ما يرد على بعض وجوه تقرير الإجماع في المقام. وهذا نظير ما وقع لصاحب المعالم والعلّامة من استدلالهما على اعتبار الأخبار من باب الظنون الخاصّة بدليل الانسداد ، فتدبّر.