على صحّتها ولأجلها عملوا بها ، ولو تجرّدت لما عملوا بها ، وإذا جاز ذلك لم يمكن الاعتماد على عملهم بها. قيل لهم : القرائن التي تقترن بالخبر وتدلّ على صحّته أشياء مخصوصة نذكرها فيما بعد من الكتاب والسنّة والإجماع والتواتر ، ونحن نعلم أنّه ليس في جميع المسائل التي استعملوا فيها أخبار الآحاد ذلك ؛ لأنّها اكثر من أن تحصى موجودة في كتبهم وتصانيفهم وفتاواهم ؛ لأنّه ليس في جميعها يمكن الاستدلال بالقرآن ؛ لعدم ذكر ذلك في صريحه (٥٥٧) وفحواه ودليله ومعناه ، ولا بالسنّة المتواترة ؛ لعدم ذكر ذلك في أكثر الأحكام ، بل وجودها في مسائل معدودة ، ولا بإجماع ؛ لوجود الاختلاف في ذلك.
فعلم : أنّ دعوى القرائن في جميع ذلك دعوى محالة ، ومن ادّعى القرائن في جميع ما ذكرنا كان السبر بيننا وبينه ، بل كان معوّلا على ما يعلم ضرورة خلافه ، ومدافعا لما يعلم من نفسه ضدّه ونقيضه. ومن قال عند ذلك : إنّي متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل (٥٥٨) ، يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به ، وهذا حدّ يرغب أهل العلم عنه ، ومن صار إليه لا يحسن مكالمته ؛ لأنّه يكون معوّلا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه ، انتهى.
ثمّ أخذ في الاستدلال ثانيا على جواز العمل بهذه الأخبار : بأنّا وجدنا أصحابنا مختلفين في المسائل الكثيرة في جميع أبواب الفقه ، وكلّ منهم يستدلّ ببعض هذه الأخبار ، ولم يعهد من أحد منهم تفسيق صاحبه وقطع المودّة عنه ، فدلّ ذلك على جوازه عندهم.
ثمّ استدل ثالثا على ذلك : بأنّ الطائفة وضعت الكتب لتمييز الرجال الناقلين
______________________________________________________
٥٥٧. الدلالة الصريحة هي المطابقة والتضمّنية ، وغير الصريحة سائر الدلالات الالتزاميّة. والفحوى هو مفهوم الموافقة ، والدليل هو مفهوم المخالفة. والمعنى : باقي الدلالات الالتزاميّة من التنبيه والاقتضاء والإيماء.
٥٥٨. من أصالة البراءة.