لا أحكم فيه بحكم الفسّاق ، ولا يلزم على هذا ترك ما نقلوه ، على أنّ من أشاروا إليه لا نسلّم أنّهم كلّهم مقلّدة ، بل لا يمتنع أن يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة ، كما يقوله جماعة أهل العدل في كثير من أهل الأسواق والعامّة. وليس من حيث يتعذّر عليهم إيراد الحجج ينبغي أن يكونوا غير عالمين ؛ لأنّ إيراد الحجج والمناظرة صناعة ليس يقف حصول المعرفة على حصولها ، كما قلنا في أصحاب الجملة.
وليس لأحد أن يقول : هؤلاء ليسوا من أصحاب الجملة ؛ لأنّهم إذا سألوا عن التوحيد أو العدل أو صفات الأئمّة أو صحّة النبوّة قالوا روينا كذا ، ويروون في ذلك كلّه الأخبار ، وليس هذا طريقة أصحاب الجملة.
وذلك أنّه ليس يمتنع أن يكون هؤلاء أصحاب الجملة وقد حصل لهم (٥٥٣) المعارف بالله ، غير أنّهم لمّا تعذّر عليهم إيراد الحجج في ذلك أحالوا على ما كان سهلا عليهم. وليس يلزمهم أن يعلموا أنّ ذلك لا يصحّ أن يكون دليلا إلّا بعد أن يتقدّم منهم المعرفة بالله ، وإنّما الواجب عليهم أن يكونوا عالمين ، وهم عالمون على الجملة كما قرّرنا ، فما يتفرّع عليه من الخطأ لا يوجب التكفير ولا التضليل.
وأمّا الفرق الذين أشار إليهم ـ من الواقفيّة والفطحيّة وغير ذلك ـ فعن ذلك جوابان ، ثمّ ذكر الجوابين وحاصل أحدهما كفاية الوثاقة في العمل بالخبر ؛ ولهذا قبل خبر ابن بكير وبني فضّال وبني سماعة. وحاصل الثاني : أنّا لا نعمل برواياتهم (٥٥٤) إلّا إذا انضمّ إليها رواية غيرهم. ومثل الجواب الأخير ذكر في رواية الغلاة ومن هو متّهم في نقله. وذكر الجوابين أيضا في روايات المجبّرة والمشبّهة بعد منع كونهم مجبّرة ومشبّهة ؛ لأنّ روايتهم لأخبار الجبر والتشبيه لا تدلّ على ذهابهم إليه. ثمّ قال : فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون (٥٥٥) الذين أشرتم إليهم (٥٥٦) لم يعملوا بهذه الأخبار لمجرّدها ، بل إنّما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلّتهم
______________________________________________________
٥٥٣. يعني : بالدليل الإجمالي.
٥٥٤. لعلّ المراد فيما لم يكن الراوي ثقة ، فلا يتنافى الجوابان.
٥٥٥. لفظة «ما» للنفي ، يعني : ما ظهر من كلامكم إنكار ذلك.
٥٥٦. ممّن يجوز العمل برواياته.