إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له (٥٢٣) من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم ، وعلموهم يقارفون المحرّمات ، واضطرّوا بمعارف (٥٢٤) قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدّق على الله تعالى ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله تعالى ؛ فلذلك ذمّهم لمّا قلّدوا من عرفوا ومن علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم. وكذلك عوامّ أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبيّة الشديدة والتكالب على حطام (٥٢٥) الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصّبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا ، والترفرف (٥٢٦) بالبرّ والإحسان على من تعصّبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا ، فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء ، فهم مثل اليهود الذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه (٥٢٧) ، وذلك
______________________________________________________
٥٢٣. مفعول أوّل لأعطوا : أي : أعطوا من تعصّبوا له ما لا يستحقّه. وفاعل «لا يستحقّه» هو الضمير المستتر العائد إلى الموصول ، لتقدّمه رتبة وإن تأخّر لفظا.
٥٢٤. يعني : قد عرفت قلوبهم بالضرورة أنّ من فعل فعلهم فهو فاسق.
٥٢٥. تقول : هم يتكالبون على كذا ، أي : يتواثبون عليه. والحطام : ما تكسّر من اليبس.
٥٢٦. رفرف الطائر إذا حرّك جناحه حول الشيء يريد أن يقع عليه ، ومنه الحديث : «يد الله فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة ، فإذا حاف وكلّه الله إلى نفسه» ذكره الطريحي.
٥٢٧. دلّت هذه الفقرة على اعتبار خبر الواحد ، لأنّ ملاحظة مجموع الرواية تشهد بكون المراد بالتقليد فيها معناه اللغوي دون الاصطلاحي ، فهو بإطلاقه يشمل الأخذ بقول الغير تعبّدا مطلقا ، سواء كان في الفتوى أم الرواية.