.................................................................................................
______________________________________________________
وتوضيحه : أنّ الله تعالى قد أمر المؤمنين بالقيام بالقسط ـ أي : الحقّ ـ حال كونهم شاهدين لله ، ولو كان ضررا على نفس الشاهد ، فتدلّ على اعتبار خبر الواحد بوجهين :
أحدهما : أنّ الله تعالى قد أوجب القيام بالقسط ، والمخبر عن الرسول قائم بالقسط ، فيجب الإخبار عنه ، وهو إنّما يجب إذا كان القبول واجبا ، وإلّا لغا إيجاب الإخبار.
وثانيهما : أنّ الله تعالى أوجب الشهادة لله ، والشهادة هنا أعمّ من الإخبار عن الأحكام وعن الموضوعات الخارجة ، فإذا وجبت الشهادة مطلقا وجب القبول كذلك ، وإلّا لغا إيجاب الشهادة ، فيثبت اعتبار خبر الواحد في الأحكام ، وهو المطلوب.
ويرد على الأوّل : أنّ الأمر بالقيام بالحقّ للإرشاد إلى بيان ما ينبغي أن يكون المكلّف عليه من القيام بما هو الحقّ ، ولا مساس له بمرحلة اعتبار أخبار الآحاد في إثبات الأحكام الظاهريّة.
وعلى الثاني أوّلا : أنّ الشهادة في العرف العامّ منصرفة إلى نوع خاصّ من الإخبار ، وهو الإخبار عن الموضوعات ، فلا تشمل الأحكام.
وثانيا : أنّ ظاهر الآية وجوب القيام بما هو الحقّ ، ولم يعلم كون ما يرويه الراوي قسطا وحقّا ، لاحتمال تعمّده للكذب أو خطائه في إخباره ، فلا تشمله الآية إلّا بعد العلم بصدقه وعدم خطائه ، فلا تدلّ على اعتبار خبر الواحد تعبّدا مطلقا ولو مع احتمال تعمّده للكذب أو خطائه ونسيانه.
وثالثا : منع كون وجوب التحمّل مستلزما لوجوب القبول ، كما يظهر ممّا تقدّم في آيتي النفر والسؤال.
ومنها : قوله سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). وكذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ). واستدلّ بهما العلّامة أيضا في النهاية.