قسامة (٥٠٤) : أنّه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وكذّبهم ...». فإنّ تكذيب القسامة (٥٠٥) مع كونهم أيضا مؤمنين ، لا يراد منه إلّا عدم ترتيب آثار الواقع على
______________________________________________________
٥٠٤. حكى الطريحي عن المصباح : «أنّه قد تكرّر ذكر القسامة بالفتح ، وهي الأيمان تقسّم على أولياء القتيل إذا ادّعوا الدم ، يقال : قتل فلان بالقسامة ، إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل وادّعوا على رجل أنّه قتل صاحبهم ، ومعهم دليل دون البيّنة ، فحلفوا خمسين يمينا أنّ المدّعى عليه قتل صاحبهم ، فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمّون قسامة» ، انتهى. والمراد بها هنا ـ كما يظهر من المصنّف رحمهالله في مبحث الاستصحاب ـ هي البيّنة.
٥٠٥. حاصله : أنّ المراد بتكذيب القسامة ليس المعنى المقابل للمراد بتصديق الأخ المشهود عليه ، لأنّه ترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح ، لأنّه تصديق الواحد وتكذيب المتعدّد. وحيث كان المراد بتكذيبهم عدم ترتيب آثار الواقع على خبرهم الذي هو المقابل للمعنى الثاني للتصديق ، فلا بدّ أن يكون المراد بتصديقه هو المعنى الأوّل.
وأنت خبير بأنّه يمكن أن يؤخذ لكلّ من التكذيب والتصديق معنى يقابل الآخر ، بأن يحمل التصديق على معنى مطابقة الواقع المستلزم لتكذيب القسامة بمعنى المخالفة له ، مع حمل خبر القسامة على الصدق بمعنى المطابقة لاعتقادهم ، إذ لا منافاة بين تكذيبهم وتصديقهم بهذا المعنى ، فيتقابل التكذيب والتصديق حينئذ في الرواية ، ولا يلزم منه ترجيح المرجوح. وهذا المعنى يظهر من المصنّف رحمهالله في مبحث الاستصحاب عند التعرّض لقاعدة حمل فعل المسلم على الصحّة.
ثمّ إنّهم قد استدلّوا في المقام بآيات أخر ، منها قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ). واستدلّ به العلّامة في النهاية ، وقال : «أمر بالقيام بالقسط والشهادة لله ، والأمر للوجوب ، والمخبر عن الرسول قائم بالقسط شاهد لله ، فكان ذلك واجبا عليه ، وإنّما يكون واجبا إن كان القبول واجبا ، وإلّا فوجوب الشهادة كعدمها» انتهى.