وأمّا توجيه الرواية (٥٠٢) فيحتاج إلى بيان (٥٠٣) معنى التصديق ، فنقول : إنّ المسلم إذا أخبر بشيء فلتصديقه معنيان : أحدهما : ما يقتضيه أدلّة تنزيل (*) فعل المسلم على الصحيح والأحسن ؛ فإنّ الإخبار من حيث إنّه فعل من أفعال المكلّفين ، صحيحه ما كان مباحا ، وفاسده ما كان نقيضه كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الإخبار على الصادق حمل على أحسنه. والثاني : هو حمل إخباره من حيث إنّه لفظ دالّ على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها ، على كونه مطابقا للواقع وترتيب آثار الواقع عليه.
و (**) المعنى الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل. وأمّا المعنى الأوّل فهو الذي يقتضيه أدلّة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، وهو ظاهر الأخبار الواردة في أنّ من حقّ المؤمن على المؤمن أن يصدّقه ولا يتّهمه ، خصوصا مثل قوله عليهالسلام : «يا أبا محمد ، كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون
______________________________________________________
٥٠٢. أي : رواية الكافي التي قرّب بها الاستدلال بالآية.
٥٠٣. يمكن أن يقال أيضا : إنّه إذا ثبت بما ذكره تعيّن حمل التصديق في الآية على التصديق الصوري ، تعيّن حمله عليه في الرواية أيضا ، بقرينة استشهاد الإمام عليهالسلام الآية فيها.
مضافا إلى أنّه لو كان المراد بالتصديق في الرواية ترتيب آثار الواقع على المخبر به لزم إجراء حدّ شرب الخمر الثابت بأخبار الآحاد على الرجل القرشي ، وهو خلاف الإجماع ، فلا تكون حجّة في موردها ، مع قيام الإجماع على عدم جواز تخصيص المورد. ومن هنا يظهر ضعف ما تخيّله بعض فضلاء السادة في محكيّ مفتاح الكرامة ، من استنهاض الرواية لحجّية خبر العدل مطلقا حتّى في الموضوعات ، ردّا على من ادّعى عدم وجود دليل عليه.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «تنزيل» ، حمل.
(**) في بعض النسخ زيادة : الحاصل أنّ.