ما يتّفق في حرب المسلمين مع الكفّار من آيات عظمة الله وحكمته ، فيخبروا بذلك عند رجوعهم الفرقة المتخلّفة الباقية في المدينة ؛ فالتفقّه والإنذار من قبيل الفائدة لا الغاية (٤٧٥) حتّى تجب بوجوب ذيها. قلت أوّلا : إنّه ليس في صدر الآية (٤٧٦) دلالة على أنّ المراد النفر إلى الجهاد ، وذكر الآية في آيات الجهاد لا يدلّ على ذلك. وثانيا : لو سلّم (٤٧٧) أنّ المراد النفر إلى الجهاد ، لكن لا يتعيّن أن يكون
______________________________________________________
٤٧٥. الفائدة ما ترتّب على الشيء من دون أن يكون داعيا وباعثا للفاعل إليه ، ولذا تستعمل في غير الأفعال أيضا. والغاية هو الغرض الداعي إليه ، فتختصّ بالأفعال.
٤٧٦. لاحتمال كون المراد به بيان كون التفقّه وتحصيل الأحكام الشرعيّة واجبا كفائيّا لا عينيّا. ويمكن أن يجاب أيضا بأنّ اللام في قوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا) و (لِيُنْذِرُوا) ـ على ما ذكر في السؤال ـ تكون للعاقبة والصيرورة دون الغرض ، على ما نصّ عليه أبو البقاء في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وهو معنى مجازي لا يصار إليه بلا قرينة.
٤٧٧. فإن قلت : أيّ فرق بين هذا الجواب والجواب الثالث؟ قلت : توضيحه يحتاج إلى بيان المعاني المحتملة في الآية على ما يستفاد من كلام المصنّف رحمهالله.
وهي وجوه :
أحدها : ما أشار إليه في السؤال من أن تكون الآية واردة في الحثّ والترغيب إلى النفر إلى الجهاد خاصّة ، وكان التفقّه والإنذار من الفوائد المرتّبة عليه لا من غاياته ، وكان المراد بالتفقّه فهم النافرين لحقيّة الإسلام لأجل مشاهدة آيات الله تعالى في الحروب ، من نصرة المسلمين وغلبتهم على عدوّهم مع قلّة عددهم وكونهم بلا زاد وسلاح ، وكثرة عدوّهم وقوّتهم ، وسائر ما يشاهدونه في أثناء الطريق من المعجزات الظاهرة والدلائل الواضحة. فالمقصود هو الأمر بالنفر إلى الجهاد ليفهم النافرون حقّية الإسلام بمشاهدة هذه الآيات ، لينذروا قومهم إذا