المفهوم أيضا دليل خاصّ مثل الخاصّ الذي خصّص أدلّة حرمة العمل بالظنّ ، فلا يجوز تخصيص العامّ بأحدهما أوّلا ثمّ ملاحظة النسبة بين العامّ بعد ذلك التخصيص وبين الخاصّ الأخير. فإذا ورد : أكرم العلماء ، ثمّ قام الدليل على عدم وجوب إكرام جماعة من فسّاقهم ، ثمّ ورد دليل ثالث على عدم وجوب إكرام مطلق الفسّاق منهم ، فلا مجال لتوهّم تخصيص العامّ بالخاصّ الأوّل أوّلا ، ثمّ جعل النسبة بينه وبين الخاصّ الثاني عموما من وجه ، وهذا أمر واضح نبّهنا عليه في باب التعارض.
______________________________________________________
أنّ التعارض بين دليلين إنّما يلاحظ بعد ملاحظة لواحق الكلام ، وبعد لحوق اللواحق من تخصيص أو تقييد ، فما كان اللفظ ظاهرا فيه تلاحظ النسبة بينه وبين غيره. وهذا بالنسبة إلى المخصّصات المتّصلة. وأمّا المنفصلة في كلام الشارع فإنّما تلاحظ النسبة بين كلّ واحد منها وبين العامّ حين ملاحظتها بينه وبين الخاصّ الآخر من دون ملاحظة تأخّر وتقدّم لأحدها ، فإذا ورد عامّ وخاصّان ، مثل : أكرم العلماء ولا تكرم النحويّين ولا تكرم الاصوليّين ، فلا يخصّص العلماء أوّلا بالنحوي لترجع النسبة بين الباقي تحت العامّ وبين الاصوليّين إلى العموم من وجه ، بل يخصّص العامّ بكلّ منهما في آن واحد إن كانت النسبة بينه وبينهما عموما وخصوصا مطلقا كما في المثال ، لأنّ الخاصّين وإن صدرا عن إمامين أو عن إمام في زمانين ، إلّا أنّ الأئمّة عليهمالسلام كلّهم بمنزلة متكلّم واحد ، وتكلّمهم في الأزمنة المختلفة بمنزلة تكلّمهم في زمان واحد ، لكونهم مخبرين عن الواقع ، فيجري عليهم حكم متكلّم واحد في زمان واحد. نعم ، لو كانت النسبة بين العامّ وأحد الخاصّين عموما مطلقا ، والخاصّ الآخر عموما من وجه ، يخصّص العامّ بالأوّل أوّلا ثمّ تلاحظ النسبة بينه بعد التخصيص والخاصّ الآخر. وسيأتي تحقيقه في خاتمة الكتاب بما لا مزيد عليه.
وإذا تحقّق هذا ظهر لك أنّ اللازم فيما نحن فيه هو تخصيص عمومات حرمة العمل بالظنّ بكلّ من مفهوم الآية ودليل اعتبار البيّنة في آن واحد ، لكون النسبة بينها وبينهما عموما وخصوصا مطلقا ، لا تخصيصها أوّلا بدليل اعتبار البيّنة ثمّ