كما أن المنكر : هو ما سوى الله تعالى.
والأمر به إرشاد إليه من جهة توحيد الأفعال ، والصفات ، والذات ، ولم يتفق الإرشاد من جهة هذه التوحيدات الثلاثة لغير هذه الأمة المرحومة ، لما أن الإرشاد إليها موقوف على التحقق بحقائقها ، وقد تحقق بغير توحيد الذات ما عدا أمة إبراهيم عليهالسلام.
وأمّا أمة إبراهيم عليهالسلام : فإنهم وإن تحققوا بتوحيد الذات ، وقبلوا إرشاد إبراهيم ؛ لكن كان ذلك من وراء الحجاب ، وبالإجمال بل بالقوة ، وإلا كانوا خير الأمم وخاتمتهم ، فبقى هذا الكمال بالفعل لهذه الأمة ؛ ولذا كانوا خير الأمم وخاتمتهم ، إذ لم يبق شيء يحتاج الناس إلى دعوته ظاهرا وباطنا ، قوة وفعلا ، إجمالا وتفصيلا ، إلا وهم دعوهم إليه بما لا مزيد عليه ، فكان مراتب يقينهم أعلى من مراتب غيرهم ؛ ولذا قال تعالى : (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران : ١١٠].
مع أن جميع الأمم منهم من آمن ؛ لكن إيمانهم ليس كإيمان هذه الأمة ، فإن إيمان هذه الأمة كشفي عياني ، ليس فوقه كشف وعيان يغتبط به ويشرئب إليه ، فكما أنه (ليس في عالم الإمكان أبدع مما كان) (١) ، فكذا ليس في الأمم أعجب من هذه الأمة وأجمع وأكمل.
وقال تعالى : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) [آل عمران : ١١٥].
: أي بسبب إشراكهم بالله آلهة لم ينزل بإشراكها حجة ؛ والمراد إنه ليس هناك حجة ، ولا تنزيلها ، فإن القضية السالبة قد تصدّق بأن يكون الموضوع فيها موجودا متصفا بانتقاء المعمول عنه ، وقد تصدّق بانتقاء الموضوع عن أصله فلا يتّصف بالمحمول راسالات ما لا يكون له موضوع لا يكون له محمول.
فظهر أن الشرك الحقيقي ؛ وهو ما كان عن اعتقاد ليس له برهان سماوي إذ لا
__________________
(١) هذه المقولة مشهورة عن حجة الإسلام الإمام الغزالي رضي الله عنه ونفع به ، وهي محل إشكال عند البعض ، وعليها شروح وترجيحات ما بين مؤيد ومعارض ، والحق أن الحجة ـ قدسسره ـ قد وافق الحق في تلك المقولة.